بقلم - فـــؤاد مطـــر
وسط هذه العتمة الدولية بشقيْها النفسي والتظليمي، وفيما نحن على مسافة أيام من انقضاء عام تلك العتمة، غمرت النفس العربية بعض نسائم الأمل المنشود بما يضيء ويبهج ويبدد هذا الشعور بفقدان الطمأنينة والود.
ولكم أفرح الشعب في لبنان المحجور على إرادته من جهة والمتواصلة ألاعيب المرجعيات الحزبية والحركية والتيارية في مصائره فتناست ذكرى اليوم الوطني وجعلت المواطن بالتالي محروم الابتهاج بهذه الذكرى، أن يرى بعض الأشقاء العرب يستقبلون ذكرى اليوم الوطني في دولهم بالبهجة والطمأنينة فترتفع السيارات حاملات الأعلام ويصافح أبناء الوطن بعضهم بعضاً، وبشعور أن العيد الوطني هو عيد كل منهم... عيد الأجداد والآباء والأمهات والبنين والبنات، بل حتى عيد الأطفال الذين أبصروا نور الحياة ولا خشية على مستقبلهم ما دامت الدولة على هدي مسيرة التنمية والتطوير وانشغال البال بالمواطن، بحيث لا يصاب بما أصاب، على سبيل المثال، اللبناني في عيشه وكرامته طوال سنوات كان أهل الحكم والسياسة والأحزاب عن قضايا الناس ساهين وعابثين ومنشغلين.
ومن الطبيعي عندما حلت ذكرى اليوم الوطني الذي هو 22 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، بدءاً من إعلان الاستقلال عام 1943، ويرى المواطن اللبناني التعامل السياسي والحزبي والحركي والتياري معها، كأنما هذه المناسبة من الأمور الثانوية التي لا موجب لتضييع الوقت في إحيائها، أن يقول المواطن بينه وبين نفسه: يا لهذا الانعدام في الحس الوطني. ولا بد أن متابعته عبْر الفضائيات كيف احتفل المواطن السعودي بالعيد الوطني للمملكة التي وضع حجر الأساس لها الملك عبد العزيز وزاد الأبناء الصرح درجات بلغت المرحلة الأكثر إبهاراً وصلابة في ظل رمز ذاكرة المملكة خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبد العزيز ورمز حقبة التأسيس الثاني في جيل الأحفاد ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان... لا بد أن المتابعة تلك عززت إيمانه بأهمية اليوم الوطني بالنسبة إلى المواطن وزداته توقاً إلى لحظة فرح تحدث في الذكرى الآتية بعد سنة وقد استعاد الوطن (لبنان المستباح) سيادته ودوره العربي إلى جانب الطمأنينة.
ما يقال عن جوهر علاقة المواطن السعودي اليوم الوطني يقال أيضاً عن ذلك الجوهر في علاقة المواطن الإماراتي، وكذلك المواطن القطري، كل مع العيد الوطني للدولة التي بنوها لا يشعرون بالخوف ومطمئنين إلى أن شبح احتمالات الجوع لا يمكن أن يطرق أبوابهم. ولكم هو فرح يملأ القلوب أن العيد الوطني الإماراتي وكذلك القطري تزامنا مع إنجاز شبابي تاريخي أممي يتمثل في أن دورة الألعاب الأولمبية التي استضافتها الدوحة كانت الأكثر لفتاً للأنظار ومدعاة للإعجاب بين الدورات السابقة، فضلاً عن أنه على هامش الدورة الأولمبية في رحاب دولة قطر، حقق الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بداية مصالحة يتمنى المرء تفعيلها من جانب المتصافحيْن الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس رجب طيب إردوغان. وبالتمني نفسه للمصالحة المتمثلة بزيارة رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مصحوباً ببعض إخوانه إلى الدوحة، طاوياً بذلك صفحة جفاء بين اثنين من رموز القيادة الشبابية في الخليج دامت أربع سنوات، لكن الصفحة بقيت على خط أن الخليجي للخليجي، ولا بد من تبديد الجفوة وإن هي طالت أربع سنوات.
وتبقى من نسائم الأمل المنشود التي غمرت النفس العربية، وبذلك يُختتم عام 2022 على ملامح طمأنينة، هي تلك الخطوة التي تمثلت بتطور لافت وإيجابي في الأزمة السودانية التي ضاقت سنتيْن من التشبث بالمواقف الرافضة أي صيغة لا غلبة فيها للعسكري على المدني ولا وصاية للقوى الثورية المختلِطة المشارب والأهواء والانتماءات الحزبية والولاءات ذات النوافذ إلى خارج الوطن. وبعدما استحكمت الأزمة ودخل الشقيقان العربيان الحادبان والمساندان والمغيثان عند الشدة (المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات) والمتطلع البريطاني والأوروبي وتمنيات كبيرة الشقيقات مصر على خط الأزمة يرفقون التمنيات بجرعات من الضغوط الإيجابية الغرض... بعدما استحكمت تعقيدات الأزمة، فإنها انفرجت نسبياً ورأيْنا الكفة العسكرية تخفف من الأثقال والشروط يقابل ذلك تخفيف مماثل من الكفة المدنية الثورية التي غاب عن بال أقطابها أن سنتيْن من المظاهرات من جانب رموز الأزمة أتعبت السودانيين وأن السعي العربي - الدولي - الأفريقي أتى في الوقت الذي يُبعد عن السودان مخاطر صراعات تؤسس لوضع لا يعود فيه الندم، كما لا تعود مساعي الأصدقاء حاضرة في ساحة الصراع تحاول ما استطاعت تضميد الجراح بنوعيْها الضميري والجسدي. فالقول إن الصديق عند الضيق صحيح، إنما بتلبية الصديق نداء التعاطف عندما يكون المصاب من الذين لا يتركون للعناد حيزاً في تصرُّفهم كما في خطابهم ومفرداتهم وبياناتهم وعبارات هتافاتهم في الميادين.
في أي حال يحتاج الإنجاز السوداني إلى قراءة متأنية، إنما في ضوء الالتزام بما تم إنجازه. ونقول ذلك على أساس أن هنالك في استمرار جمرات تحت الرماد في العلاقة بين عسكر السودان ومدنييه، وثمة تجارب صادمة في شأن هذه العلاقة. لكن خيراً ملحوظاً أن يندرج التوافق السوداني المأمول اكتمال فصوله في لوحة إنجازات مبهجة حفلت بها الأسابيع الأخيرة من عام 2022. وأما إشراقة الشمس الصينية من الرياض متمثلة بقمم تظللها الموضوعية وبُعد النظر والتخفيف بعض الشيء من أثقال علاقات لم يحسن الصديق الأميركي التقليدي على مدى عقود إبقاء خصوصيتها في منأى عن التعالي والتصنيف والتنظير مكتفياً بالحرص على الأخذ أكثر من العطاء مواقف متفهمة، فإنها ستبقى اللون الأكثر سطوعاً في المشهد الذي يؤسس لطبعة جديدة وبتدوين متقن. لعل الرئيس الصيني يتأمل في المشهد الذي صاغه الملك سلمان بن عبد العزيز وأوكل إلى ولي عهده رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان أمر إخراجه بما هو أفضل، بحيث تكون القمة المثلثة السعودية - الصينية، والخليجية - الصينية، والعربية - الصينية في الرياض، هي القمة الثالثة الأكثر إبهاراً في تاريخ القمم العربية الدولية بعد الأولى بين الملك عبد العزيز والرئيس الأميركي روزفلت على متن طراد في البحيرات المرة (قناة السويس) يوم 15 فبراير (شباط) 1945، والقمة الثانية الأميركية - الخليجية - الآسيوية في الرياض على مدى يوميْ 20 و21 مايو (أيار) 2017 هدية دونالد ترمب في بداية ولايته وبما يعزز شأنه الذي لم ينله خلَفه من العرب وبالذات من القيادة السعودية وقادة دول الخليج ومعهم عدد من الدول الإسلامية، ثم ها هي القمة الخليجية - العربية - الصينية تحقق للرئيس المجدد رئاسته المديدة للصين شي جينبينغ مجداً عربياً خليجياً يأمل المرء أن يكون الرد عليه أفضل بكثير من عدم رد ترمب الذي أخذ كثيراً من دون أن يرد على العطاء بما يوازيه موقفاً أميركياً واضحاً من موضوع الدولة الفلسطينية ومن مبادرة السلام العربية، وكذلك من موضوع ترْك إيران على نحو ما هي عليه من الإيذاء للمملكة ولدول عربية كانت أحوالها أفضل بكثير قبْل أن تقتحم إيران أبوابها بأجندات أفقدت هذه الدول من لبنان إلى سوريا إلى العراق إلى اليمن إلى فلسطين الخصوصية والاستقلال وحرية اتخاذ القرار ووضعتْها رهن مصائر الانقسام الذي يؤدي إلى التقسيم.
خلاصة القول، إن عام 2022 كان بشرى كروية مثلثة سعودية - تونسية - مغربية تجدد العزيمة، وبشائر علاقة عربية - صينية على قاعدة الاحترام والتفهم والتعامل بالمثل أولاً وثانياً ودائماً. والله المجيب والكريم.