توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تأملات في قمم المنتجعات

  مصر اليوم -

تأملات في قمم المنتجعات

بقلم - فـــؤاد مطـــر

عند التأمل في أجواء القمم الأممية المتلاحقة؛ من قمة المناخ «كوب 27» التي استضافها الرئيس عبد الفتاح السيسي في شرم الشيخ - 6 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 - إلى قمة العشرين التي استضافها الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو في بالي (الثلاثاء 15 نوفمبر)، قبل أن تزلزل الأرض زلزالها في إحدى مناطقها، وبعدما كان القوم العشروني غادروا، إلى قمة «أبيك» في بانكوك (الجمعة 18 نوفمبر)، إلى القمة الفرنكوفونية في دورتها ا18 في جربة بتونس (السبت 19 نوفمبر)، فإن المتابع لأجواء هذه القمم مثل حالنا، يجد ذاكرته تستحضر أجواء الستينات، ذلك الزمن الذي نشأت فيه حركة عدم الانحياز ونمت وأخذت حقها من الالتفاف الشعبي حولها، قبل أن يزعزع كبار الشأن الدولي بصراعاتهم وشغفهم في سباق التسلح والمناكفات التي تؤسس لحروب بنيان تلك الرحلة، مستغلين في ذلك الرحيل المفاجئ والمتتابع لكل رموزها.
في القمم النوفمبرية الأربع انحسار ملحوظ لمفردات الصراع وتشاوف الكبار على مَن دونهم. ربما يكون المكان أحد العوامل في ذلك، حيث القمم استُضيفت في منتجعات بدءاً بالساحل الذي يبعث البهجة فيه بعدما حولت مصر شرم الشيخ إلى ريفييرا مصرية خلبت ألباب الذين قصدوها وبالذات الروس الذين كانوا قاصدين دفء شواطئها وأطايب مطاعمها لولا أن رئيسهم فلاديمير بوتين رماهم في حرب مفضلين أن تبقى الحال على ما هي عليه ومن دون كابوس استعادة الفرع الأوكراني إلى الأصل الروسي بحرب، تكراراً مريراً للكابوس الصدَّامي الذي حاول بمقتضاه العراق الصدَّامي التهام الكويت، لكن الأمر انتهى إلى أن تحالفاً دولياً بقيادة أميركية - بريطانية التهم العراق وحقق للثورة الإيرانية الفاغرة فاها ما تبغيه انتقاماً من هزيمة ألحقها عراق صدَّام بها، ثم البدء بقضم سيادة العراق وعروبته وشأنه كرقم بالغ الأهمية في المعادلة العربية - الإقليمية - الدولية.
وكما أجواء منتجع شرم الشيخ جعلت التطلعات السياسية تتراجع نسبياً أمام الضرورات الإنسانية، فإن الانعقاد في بالي إحدى الجزر الإندونيسية الساحرة جعل بعض الذين في نفوسهم هوس السيطرة واعتماد القبضة عنصر قوة لهم، يتأملون في جماليات المكان الذي هو هبة من رب العالمين إلى بني البشر لكي ينعموا فيه ويجددوا الشكر لله سبحانه وتعالى مع إشراقة شمس اليوم. وبطبيعة الحال، فإن سحر الطبيعة في مكان مثل ساحل شرم الشيخ في مصر وجزيرة بالي في إندونيسيا له تأثيره البالغ خلاف ما كان الانعقاد سيتم في قاعات مُحْكمة الإغلاق في عواصم تكاد تختنق من تكدس البشر والسيارات والمناخ الذي يكتم الأنفاس كما هي الحال في القاهرة وجاكرتا على سبيل المثال لا الحصر حول العواصم والمدن التي تجاوز الاكتظاظ السكاني فيها نقطة الاختناق في انتظار أن يشق السعي المناخي طريقه فيعالج ما يتوجب العلاج. وللمناسبة يا ليت المسربَل بنوازع الحرب وتدمير البنى التحتية ومحطات توليد الكهرباء وتشريد الناس في الشوارع مذعورين، ونعني بذلك الرئيس بوتين، أتى إلى بالي كما الآخرين ولم يرسل وزير خارجيته، وحاول بالحسنى وليس بالمفردات النووية، تهدئة خواطر الجمع الدولي الغاضب على ما فعله حرباً وحجباً للغاز استباقاً للبرد القارس عن مجتمعات في أكثرية دول العالم ترى أن السلام على الأرض والمحبة بين الناس والحمد والشكر على نِعَم الله على عباده واعتبار الهوس النووي انتهى في هيروشيما ولا سماح لاستعماله من جانب مالكيه تنبيهاً للجنوح الإيراني نحو امتلاك هذا السلاح وعدم التأمل في مطالب الناس التي هي الحد الأدنى والإمعان تصويباً بالغ الخشونة لحالات الغضب الشعبي ومعالجة هذه الحالات بتوسيع منسوب العقاب من دون الأخذ في الاعتبار أن هذا العقاب قد يردع إلى حين لكنه يسرِّع في تينيع الثورة الخمينية ويقرِّب حين قطاف نظام مرشدها خامنئي. ومع التصحيح الموجب اتخاذ خطوة في شأنه من جانب بوتين، توضيح يلقى القبول وليس اعتذاراً يصعب الإفصاح عنه، دعوة الحاضرين إلى مضافة لهم على شواطئ البحر الأسود يكون فيها فلاديمير الآخر (الأوكراني) حاضراً وممدودة اليد الروسية إلى اليد الأوكرانية. وهذا ما يريده الناس بدءاً بالرأي العام الروسي فالأوكراني فسائر بني البشر في القارات الخمس التي باتت عاديات المناخ تقض المضاجع وتخطف الطمأنينة من النفوس.
لم تكن بانكوك منتجعاً سياحياً وإنما عاصمة رمز تجربة مشهودة في التنمية، رحبت خير ترحيب بزائرها ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان المتميز مكانة ودوراً طموحاً في إدارته لسياسة المملكة والتعامل مع دول العالم وبالذات الكبار الذين ترتبط الصراعات بهم. فقد انتهج الأمير محمد نهجاً من العلاقة المتوازية مع كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا جعلتْه يبدو رائد نهج لمفهوم جديد لتجربة عدم الانحياز، بمعنى أنه لا خوف من هذه الدول الكبرى أو تلك ولا الحاجة إلى أميركا وروسيا كما في الماضي غير البعيد وإلى الدول الثلاث الباقيات، وإنما بناء الدولة المتماسكة القادرة على أن تبقى في منأى عن طلب الحاجة الماسة، وفي الوقت نفسه النأي عن تفضيل دولة كبرى عن دولة سواء بداعي الخشية أو بداعي ضرورة مراعاة موقعها وإلى درجة الاصطفاف، صراعاً بارداً كان الموقف أو حرباً طاحنة. ولنا في التعامل السعودي - الإماراتي عموماً مع الحرب الروسية في أوكرانيا الدليل على الموقف المتوازن مع دول ا«ناتو» وكيف كان الموقف متميزاً بنكهة من سياسة عدم الانحياز بالنظرة المعدَّلة لهذه السياسة قياساً بسياسة تجربة عدم الانحياز في الستينات.
خلاصة القول إن اهتمامات الشعوب بعد الآن هي حول العيش الهانئ والسلام السائد والمناخ الصحي والماء النقي. ما عدا ذلك لا مكان له في النفوس. وما أفرزته قمم المنتجعات تشكل أحد معالم الزمن الآتي... زمن الانحياز إلى ما ينشر الطمأنينة في النفوس والخير على الأرض...
والدعوة مستمرة لهداية الذين في أشد الحاجة إلى الهداية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تأملات في قمم المنتجعات تأملات في قمم المنتجعات



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon