توقيت القاهرة المحلي 11:31:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قرار المحكمة الجنائية الدولية والموقف الروسي

  مصر اليوم -

قرار المحكمة الجنائية الدولية والموقف الروسي

بقلم - فـــؤاد مطـــر

الآن وقد ازداد سعير نار حرب الرئيس فلاديمير بوتين على الغرب الأطلسي في صيغة كلامية، أوكل أمر إطلاقها إلى حليفه دميتري ميدفيديف الحالم ضمناً (ما دام يشغل منصباً أمنياً شديد التأثير - نائب رئيس مجلس الأمن القومي).
فقد بات جلياً أن قرار المحكمة الجنائية الدولية أغاظ القوميين الروس، ولا يخفف سوى خطوة بالغة الأهمية من الأثر التطاولي على زعامته، رغم كون روسيا ليست من الجمع الذي وقَّع على إنشاء هذه المحكمة قبل 21 سنة، كان ضابط المخابرات زمنذاك ما زال رقماً أمنياً مغمور الشأن في ظل رئيسيْن عابريْن توارثا السُلطة بعد تناثُر الدولة العظمى الاتحاد السوفياتي، وهما غورباتشوف ويلتسين.
فالتطاول حاصل من حيث إنه فِعْل أوروبي بطلب من إدارة الرئيس بايدن الذي عطَّل عملياً خطة بوتين في أن حربه على أوكرانيا لن تستغرق أكثر من أيام ويحسم أمرها إخضاعاً لرئيسها فولوديمير زيلينسكي، بعدما رمى نظامه بتهمة الفاشية والنازية، معتبراً أن تذكير الأوروبيين بالفعل الهتلري يجعلهم يغضون الطرف عن الفعل البوتيني... هذا من دون أن يندرج في الاحتمال أن الخصم الأميركي - الأوروبي أضمر من خلال إدراج أوكرانيا في المجمع الأطلسي، اختبار مدى القدرات وطبيعة الاستراتيجيات الروسية، وهذا يتحقق من خلال اغتنام توق بوتين إلى اقتسام الشأن الدولي.
وهكذا تحوَّل الخيار الروسي حرباً على أوكرانيا فرصة للاختبار المشار إليه ولاستنزافه وكشْف كامل أوراقه وتطلعاته التي لم يفصح عنها، ثم جاء ميدفيديف ليتولى التذكير بما معناه «إن أغلب أوكرانيا الحالية كان جزءاً من الإمبراطورية الروسية القيصرية»، وكذلك الإيحاء بأن مخطط بوتين هو على المدى غير البعيد في حال استعاد أوكرانيا أن تشمل الاستعادة بالتدرج دول «أوروبا الشرقية» التي كانت أطرافاً في صيغة أنظمة شيوعية، ثم شقت رومانيا والنصف الشرقي من ألمانيا وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا، الطريقَ نحو مجتمع الدول المستقلة وذات النظام الديمقراطي لينتهي بها الأمر أعضاء في الحلف الأطلسي، وكذلك في المحكمة الجنائية الدولية التي رغم عدم انتساب الولايات المتحدة لها كما روسيا والصين والهند، إلاّ أنها من مقرها الهولندي سلاح معنوي بالغ الأهمية، حيث مجرد اتخاذها قراراً بإدانة رئيس دولة كبرى مثل بوتين فإن ذلك يشكل إحراجاً بالغ الحساسية لزعامته، بمعنى أن بوتين عرضة لتطبيق العقاب عليه في 121 دولة أعضاء في الأمم المتحدة.
ورغم جسارة حليفه الطموح ميدفيديف وقوله وبصيغة المتخيل لمجرد توقيع أوكرانيا اتفاقاً مع المحكمة لإنشاء مكتب لها في كييف، «لن يحدث أبداً لكن إذا تم اعتقال بوتين سيكون ذلك إعلان حرب على روسيا الاتحادية، وفي تلك الحالة كل أصولنا الحربية وكل صواريخنا ستحلِّق صوب مكتب المستشارية ومبنى البوندستاغ (أي برلمان ألمانيا)».
«إن المحكمة الجنائية الدولية كيان قانوني لا قيمة له...»... وهذه النبرة من ميدفيديف لا تخدم ما يضمره في أن يخلف بوتين، مع الأخذ في الاعتبار أنه بما قاله أزاح من لسان صديقه الرئيس المشغول بالحرب التي دخلت سنتها الثانية ولا بوادر في الأفق لحسمها، اضطراره للإدلاء بكلام يزيد الارتباك ارتباكاً.
وهكذا فإن الكلام التهديدي يتوجب من جانب بوتين إطفاء غليل كلام حليفه، والبحث فيما يجعل الدعوة إلى اعتقاله للمثول أمام المحكمة الجنائية، وكأنما هي مجرد خاطرة استفزازية، كان من الحكمة بمكان عدم إصدارها، لأن المستهدَف ليس من رؤساء دول على قد الحال، مثل أوغندا والكونغو والسودان وأفريقيا الوسطى، وإنما رئيس دولة عظمى يستطيع في لحظة عزْم غاضب أن يضغط على أحد أزرار حقيبته النووية، فتتحول المدن المزدهرة في أوروبا إلى ركام.
هنا يجد المتابع مثل حالي ككاتب وصحافي ومحلل للتطورات الراهنة ربطاً بظروف غابرة أتساءل: لماذا على سبيل المثال لا الحصر لا يأخذ الرئيس بوتين في عام 2023 ما سبق أن أقدم عليه قبل 62 سنة رئيس عربي لا تقل زعامته في محيطه الإقليمي عن زعامة بوتين، مع اختلافات طفيفة في الحالة الموجبة لكل منهما.
في الأيام الأولى من شهر يناير (كانون الثاني) 1958 فوجئ الرئيس عبد الناصر وهو في الأقصى زائراً مع ضيف مصر صديقه رئيس أندونيسيا أحمد سوكارنو، الذي كان ركناً من حركة عدم الانحياز التي ضمت شوان لاي ونكروما وجواهر لال نهرو، باتصال من مكتبه في مقر الرئاسة لإبلاغه أن طائرة سورية حطت في مطار القاهرة، وتحمل عشرين ضابطاً أتوا لإبلاغه ضرورة إقامة وحدة مع سوريا خشية سقوطها في أيدي أحد ثلاثة أحزاب (الحزب الشيوعي. الحزب السوري القومي الاجتماعي. حزب البعث العربي الاشتراكي). فقد استقطبت الأحزاب ضباطاً في المؤسسة العسكرية، وباتت سوريا تبعاً لذلك على مشارف السقوط في أيدي أحد هذه الأحزاب مما سيترتب على ذلك حرب أهلية.
استساغ عبد الناصر بعد التأمل في المطالب وإصرار الرئيس السوري شكري القوتلي المهدَّد كرسيه من جانب الحراك الحزبي، الذي حضر بدوره إلى القاهرة مع نخبة من رموز العمل السياسي، على إعلان خطوة وحدوية الغرض منها إنقاذ سوريا. وخلال أسبوعين وتحديداً يوم 1 فبراير (شباط) من عام نفسه 1958 تم التوقيع على ميثاق يعلن قيام وحدة بين القطريْن بتسمية «الجمهورية العربية المتحدة». بعد ذلك زار عبد الناصر دمشق وكان الترحيب الشعبي لافتاً، الأمر الذي يعني أن هذه الوحدة «لن يغلبها غلاَّب» على نحو ما صدحت به حنجرة مطربي إحدى الأغاني الوحدوية.
هذه الخطوة أضافت إلى قرار تأميم قناة السويس المزيد من الشأن لعبد الناصر، الذي بات رئيساً لدولة كبرى على كتف أفريقيا، ودولة على كتف فلسطين التي باتت محتلة وله فيها ذكريات خلال المشاركة في حرب 1948 التي لم تثمر تحريراً لها وباتت هنالك دولة إسرائيل.
لكن ما كان مأمولاً في حساب زعامته لم يكتمل، ذلك أن مجموعة من الضباط نفَّذت يوم 28 سبتمبر (أيلول) 1961 انقلاباً قوَّض الوحدة. وباتت مصر في عهد الرئيس (الراحل) أنور السادات تحمل تسمية «جمهورية مصر العربية»، وعادت سوريا القُطر الشمالي تحمل تسمية «الجمهورية العربية السورية».
كان في استطاعة عبد الناصر ضرْب العملية الانقلابية، ولقد خطرت الفكرة في باله، مستنداً في ذلك إلى أن سوريا كانت فرعاً أو قطراً في دولة هو رئيسها، ومن حقه بموجب الدستور والقوانين المتبعة قمْع الانقلاب. ولكنه اعتبر الفعل الحربي، أي إرسال طائرات تقصف الانقلابيين وتشل حركتهم وتعود سوريا كما كانت على مدى سنتين وبضعة أشهر، قطراً شمالياً شقيقاً للقطر الجنوبي محتضنيْن في دولة «الجمهورية العربية المتحدة» خياراً مأساوياً.
بما ارتآه عبد الناصر صان مصر وسوريا في الوقت نفسه، ولم يورط الدولتيْن في عداوات لا تنتهي. كما أنه احترم إرادة الشعب الذي رحب خير ترحيب به عند قيام الوحدة، ثم ارتأى الأخذ بالتغيير بعد إخفاقات في تيسير أمور التجربة الوحدوية.
من هنا يأتي التساؤل: لو يحذو بوتين حذو عبد الناصر أما كان ذلك طوق تخفيف استهانات به، وصلت إلى حد مطاردته ببدعة محكمة جنائية وكأنما الأمر بهذه البساطة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قرار المحكمة الجنائية الدولية والموقف الروسي قرار المحكمة الجنائية الدولية والموقف الروسي



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:14 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
  مصر اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 14:07 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"يوتيوب" يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي
  مصر اليوم - يوتيوب يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا

GMT 09:43 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كباب بالزعفران
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon