بقلم - فـــؤاد مطـــر
وفق قاعدة «رب ضارة نافعة»؛ فإن المئوية الأولى لحرب الجنراليْن التي أوصلت بلاد النيليْن وخيرات الأرض على أنواعها إلى مشارف الذل والحاجة إلى الرغيف، أنتجت ملامح نفع لأزمة عالقة منذ خمس عشرة سنة طرفاها إثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى.
ما نقصده بحالة النفع تتصل بلقاء ثنائي بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد كان وفقاً للبيان الصادر عن الاجتماع مدعاة تفاؤل بإيجاد تسوية للأزمة المعلَّقة في شأن «سد النهضة». ولقد جرى اللقاء على هامش «قمة دول جوار السودان» التي دعا إليها الرئيس السيسي واستضافها يوم الخميس 13 يوليو (تموز) 2023، وبدا في الصورة التذكارية محاطاً برؤساء دول وحكومات دول جوار السودان (مصر، وتشاد، وإثيوبيا، وجنوب السودان، وليبيا، وإريتريا وإفريقيا الوسطى) ورئيس مفوضية «الاتحاد الإفريقي» والأمين العام للجامعة العربية، كمَن يريد القول إن دول الجوار أولى من خلال التفاهم بعد التفهم بمعالجة أزماتها مهما عظُم شأن هذه الأزمات على نحو ما هو حاصل في السودان، واستدراك ما قد يحصل في حال بقي الموقف الإثيوبي من موضوع قد يشعل عدم حسمه نزاعاً، لا قدَّر الله. ونقول ذلك على أساس أن مفردات التمنيات وأحياناً التحذيرات كما أحياناً محاولات دولية خجولة، من بينها مسعى أميركي، لم تُحقق انفراجاً في الأزمة. ثم تأتي موجة الجفاف والظاهرة الحرارية واحتمال انحسار في مياه النيل المصري، والخشية من اندلاع حرائق كتلك التي يأكل لهيبها غابات وأشجاراً ومحاصيل في بعض دول العالم، وبالذات في إيطاليا واليونان، لتأخذ المسألة مناحي كثيرة الخطورة. فما يشهده العالم من كوارث يوجب المسارعة إلى عدم التسويف في أزمات طال كثيراً أمر البت فيها.
في البيان الذي أصدره الرئيسان المصري والإثيوبي عن لقائهما يوم الخميس 14 يوليو «تأكيد إرادتهما السياسية المتبادلة لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلديْن سياسياً واقتصادياً وثقافياً إنطلاقاً من الرغبة المشترَكة في تحقيق مصالحهما المشترَكة، بما يسهم أيضاً بشكل فعال في تحقيق الاستقرار والسلام والأمن في المنطقة وقدرة الدولتيْن على التعامل مع التحديات المشرَكة...».
تلك عناوين تقليدية لطبيعة المحادثات بين الدول التي لا تعيش خلافات بعضها بالغ الحساسية مثل الخلاف المستديم في «سد النهضة» الإثيوبي واحتمال تداعياته على مصر. لكن اللافت في البيان هي الفقرة اللاحقة والمتضمنة اتفاق الرئيسيْن على «تجاوز الجمود الحالي في مفاوضات (سد النهضة)، من خلال الشروع في مفاوضات عاجلة للانتهاء من الاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان لملء السد وقواعد تشغيله. كما اتفقا على بذْل جميع الجهود الضرورية للانتهاء منه خلال أربعة أشهر والتزام إثيوبيا خلال فترة المفاوضات وأثناء ملء السد خلال العام الهيدرولوجي 2023-2024 عدم إلحاق ضرر ذي شأن بمصر والسودان بما يوفر الاحتياجات المائية لكلا البلديْن...».
اللافت، أنه قبل التحادث وإصدار البيان كان رئيس الحكومة الإثيوبية حسم الأمر، بإعلانه عزْم إثيوبيا على إجراء الملء الرابع لخزان السد خلال موسم الفيضان الحالي. هذا يعني أن التشغيل النهائي سيتم وسيبدأ إنتاج الكهرباء التي تعوِّل إثيوبيا على تسويقها لدول الجوار الإفريقي، وبالذات تلك التي حالها كهربائياً مثل حال لبنان وسوريا منذ خمس سنوات. والتسويق المشار إليه وتعوِّل إثيوبيا على عوائده التي هي مثل عوائد القمح الأوكراني الذي عطلت الحرب تسويقه على الوجه الأكمل. وفي هذه الحال ستبدأ ملامح مخاطر التشغيل على حصة مصر من مياه النهر.
وفي ما نبّه إليه خبراء مياه ومسؤولون مصريون، فإن بداية التشغيل من جانب إثيوبيا لمجرد انتهاء الملء الرابع، هو بداية الأزمة المائية التي لطالما شغلت بال أهل الحكم وبذلت الحكومة المصرية من المسعى الدبلوماسي الكثير تفادياً لمعالجة غير ودية لأزمة مصيرية.
هنا نتساءل: هل إن إثيوبيا ستعوض مصر كهربائياً أو من خلال تسويق الكهرباء ما يطوي ملف الخشية المصرية؟ وهل إن إثيوبيا سترى في الحرب التي لا تتوقف في السودان أنه إضعاف للموقف المصري - السوداني الموحَّد من أزمة «سد النهضة» فتواصل التعبير عن الرغبة في بذل «جميع الجهود الضرورية» من دون إغلاق نهائي لصفحة أزمة بدأت في عهد الرئيس حسني مبارك والرئيس عمر البشير، وها هي قائمة إلى حين.
والله الهادي إلى ترجيح الوفاق والتصرف بحكمة أمام الأزمات العالقة كي لا تنتهي مواجهة أشبه بحرائق.