بقلم - فـــؤاد مطـــر
في الأفق الذي طالما حفل بكوابيس من الأزمات والصراعات والانشغال بما لا يحقق طمأنينة مستدامة. ملامح استراحات قد تطول وتكون ثابتة، وليست مثل الهدنة التي أرادها ساعِيا الخير للسودان، لكن الجنرالين المعنييْن شروراً للوطن كما للشعب الذي استكان بعد حركة احتجاج مبهرة لا يلتزمان، وبذلك أدرجا اسميهما في لائحة الذين لا يلتزمون بالعهود والوعود.
كانت القمم التي استضافتْها الرياض والعلا وجدة، وبأبعادها الخليجية والدولية والعربية والرموز المشاركين، فضلاً عن مضامين البيانات الصادرة عنها، بمثابة قص شريط البدء بترجمة روحية تلك القمم، وهذا ما بدا مدعاة للإعجاب بالإدارة الصينية للأزمات في اللقاء السعودي - الإيراني الذي استضافتْه العاصمة الصينية، وبدأ العمل الجدي من أجل التنفيذ. ومن هنا يمكن القول إن الذي حفَّز الدبلوماسية الصينية على خوض الغمار هو النهج الذي اتسمت به تلك القمم، فضلاً عن أهمية المكان الذي تم فيه الانعقاد. ففي هذه القمم تبلورت حكمة خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبد العزيز، وسلاسة تسيير القضايا الشائكة بغرض تيسير أمر نقْلها من التأزم إلى التحفظ فالتوافق على ما يطوي بالتدرج القضايا العالقة الأكثر تعقيداً. وزيادة في القول إن القيادة الصينية ربما كانت لن تبادر إلى السعي التوفيقي لولا أن المملكة كانت مَن بادر من خلال تلك القمم التي أريد لها الانعقاد لتنجح بامتياز، وألا تكون فقط في العاصمة، وإنما يكون غرب المملكة وشرقها ووسطها المكان للانعقاد، وتلك تجربة سبق أن أخذت بها مصر التي استضافت القمم في أنشاص والقاهرة والإسكندرية وشرم الشيخ.
من ملامح الاستراحات في المنطقة، من تركيا وإيران إلى سوريا ولبنان، وما بين هذه من حالات عالقة على موعد مأمول معها، أن العَلَم السعودي عاد يرفرف في سماء طهران كما رفرفة العَلَم الإيراني في سماء الرياض. وهذه الرفرفة التي اكتملت خليجياً ومثَّلت كل من سلطنة عُمان ودولة قطر دوراً محموداً في هذا السبيل، تشكل إيذاناً للمباشرة بإعادة قراءة في الملفات، وإعادة نظر في الأساليب واعتبار ما كان يشكل حالات من منغصات العلاقات، تدخلاً أمنياً أو افتراءات كلامية، ستتوارى بالتدرج من أجْل صفاء التعايش، ووضْع العلاقة في حالة من التطوير بما يحقق الطمأنينة. عسى ولعل الأذرع الإيرانية في أكثر من دولة عربية، وبالذات لبنان، تعتمد ميدانياً وإعلامياً ما لا يسبب عثرات لهذه الاستراحة. وهذه الخطوة تواصل تركيا الإردوغانية في عهدها الجديد الأخذ بها ضمن حسابات. بل ما يجوز افتراضه أن تركيا ما بعد انتخابات الرئاسة لن تكون كما تركيا من قبل، وأن الرئيس رجب طيب إردوغان ربما يرى أن ظروف الفوز المبهر تجعله يأخذ في الاعتبار أنه بمنظار العملية الديمقراطية حقق الفوز، أما بمنظار الواقع الانتخابي فإن نصف الشعب التركي بزيادة بسيطة اختاره في حين أن الذين صوتوا لمنافسه المعارض كانوا أقل من النصف بنسبة بسيطة. هذا يعني أن يستحضر شعار «تصفير الأزمات» الذي سبق أن سوقت له الدبلوماسية التركية قبل خمس سنوات، فيعيد النظر في خيارات كثيرة من بينها مساعدة الليبيين، وذلك من خلال طي ورقة العسكرة والتدخل السياسي - المخابراتي في شؤونهم، وطمأنة مصر بما يجعل العلاقات معها خالية من الحذر، والتعاون مع الدول العربية بمفهوم الجار السابع الذي طالما أوصى به الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، ومجاراة إيران في نهج التعامل المتدرج الذي طالما بدأ دبلوماسياً فلا بد أن يتطور لكي يصبح أخوياً. وعندما يقتبس الرئيس إردوغان طموح «تركيا القرن» و«تركيا النجم الصاعد» من طموح «رؤية 2030» التي يضفي عليها رمزها الأمير محمد بن سلمان المزيد من الخطوات الواعدة، فإن ذلك مدعاة للتوقع خيراً في السنوات الإردوغانية الخمس الآتية التي هي الولاية الثالثة له التي تمناها ونالها بعد جولات من التحدي، وطموحه أن يكون ختامها اعتبار تركيا برأسيْن تاريخييْن: أتاتورك - إردوغان، وليست فقط بالرأس الأتاتوركي.
ومن ملامح الاستراحات أن الاعتبار المحترم والموضوعي من جانب الصين للقيادة السعودية، بدءاً بالزيارة التاريخية من الرئيس شي جينبينغ إلى المملكة (الأربعاء 7 ديسمبر (كانون الأول) 2022) وعقْده تلك القمة التاريخية مع ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، حفَّز الرئيس الفنزويلي الثوري نيكولاس مادورو على أن يقوم الثلاثاء 6 يونيو (حزيران) 2023 بزيارة مماثلة، ليست فقط بدوافع الورقة النفطية التي يملكها البلدان، وإنما لأنه قرأ في المشهد السعودي التنموي وأهمية توظيف الثروة النفطية من جهة والتوازن في العلاقات مع الأقطاب في العالم من جهة أخرى، ما هو الأمثل كنهج سياسي، فكانت الزيارة التي تندرج من حيث الدواعي والتطلعات ضمن مناخ زيارة الرئيس الصيني للمملكة ثم اشتراك الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في جانب من القمة العربية في جدة يوم الجمعة 14 مايو (أيار) 2023، هذا إلى جانب التناغم الموضوعي بين ولي العهد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبما من شأنه تحقيق تسوية موضوعية للحرب الروسية التي لا نهاية لها في المدى المنظور على ما تشير التطورات بعد ازدهار سلاح المسيرات وإغراق السهول والبيوت جراء سلاح نسْف الجسور والسدود. عسى ولعل تأخذ إثيوبيا هذه الكارثة في الاعتبار بما يصون «سد النهضة». ومن الإشارة لا بد أن يفهم اللبيب الإثيوبي آبي أحمد ما نقول. وأما إطلالة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للتحادث مع ولي العهد في اليوم نفسه لإطلالة الرئيس الفنزويلي، وبما تكنه الإدارة الأميركية لنظامه، فإنهما يشكلان المزيد من الثبات للحكمة والحنكة في العلاقات، سواء مع الأشقاء ومع الأضداد. ولا بد أن الرئيس السوري بشار الأسد المستعاد إلى ربعه الأشقاء العرب وخيمتهم الجامعة العربية، سيأخذ في الاعتبار ضرورة تعديل حالة التوطين المزدوج الإيراني ثم الروسي، كما تستوجب منه الدواعي العربية والحالة الإيرانية كما العراقية واللبنانية فتح نافذة أولية للمّ الشمل الملاييني النازح المتناثر في خيم على مد النظر بين لبنان والأردن والعراق وتركيا والسودان ودول أُخرى، بأمل الإكثار من النوافذ، وصولاً إلى فتْح باب استعادة سوريا النازحة على مصراعيه كما استعادة الجامعة العربية لها.والله الهادي إلى سواء السبيل والاستفادة من ملامح الاستراحات.