بقلم: فـــؤاد مطـــر
لستُ من الطيف الذي يشاهد مباريات كرة القدم، وبالتالي لستُ من الذين يشجعون فريقاً يباري آخر، مع أن سنواتي المصرية مراسلاً من القاهرة ومعظم مدن المحروسة في أزمان الحرب والسلام وما بينهما من مناسبات، جعلتْني أعيش أجواء من التعصب الكروي لم أشهد مثيلاً لها في بريطانيا، عندما شاءت فواجع الحرب اللبنانية أن أغادر الوطن ثم تصبح بريطانيا الوطن الثاني، ذلك أن المباريات في بريطانيا تشجيع ومراهنات، فيما كانت وما زالت في مصر ينتابها التعصب، بل إنه في زمن حظْر العمل الحزبي في الخمسينات والستينات والاقتصار على حزب الدولة المسمى «الاتحاد الاشتراكي العربي»، كان هنالك «حزبان» في غاية التعصب؛ هما «الحزب الزملكاوي» نسبة إلى فريق نادي الزمالك، و«الحزب الأهلاوي» نسبة إلى فريق النادي الأهلي. وكما الحال التعصبية هذه الأيام في لبنان بين «القواتي» و«العوني»، فإن المصريين كانوا تشوقاً منهم إلى الانتماء الحزبي غير المجاز، يتباهون ومِن كل طبقات المجتمع بانتمائهم الكروي، فيقول هذا المواطن إنه «زملكاوي» ويقول ذاك إنه «أهلاوي». بعد ذلك وفي عهد الرئيس أنور السادات ثم في عهد الرئيس حسني مبارك تكاثرت الأحزاب السياسية، واختلط الحابل المتعصب السياسي بالنابل المتعصب الكروي، ولم تعد الكروية بديلاً عن الحزبية.
مناسبة هذه الاستعادة أنني شعرتُ بنسمة فرح عروبي ما أحوجنا إليها وسط موجة إحباط ناشئة عن الذبول المستشري في معظم ديار الأمة.
نسمة الفرح العروبي تتمثل بالزيارة، التي حدثت وإنْ هي تأخرت، التي قام بها المنتخب السعودي إلى رام الله يوم الأحد الماضي (13 أكتوبر/ تشرين الأول 2019) لملاقاة المنتخب الفلسطيني في التصفيات الآسيوية المزدوجة المؤهلة لكأس العالم 2022 وكأس آسيا 2023.
أن ترتفع أعلام فلسطين والسعودية على أرض فلسطينية ومعها صور الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فضلاً عن لافتات الترحيب والتصريحات من جانب الرئيس الفلسطيني محمود عباس وبعض المسؤولين في السلطة الوطنية، فهذه ليست مجرد طقوس تقليدية تتم في مناسبة، إنما هي تأكيد لديمومة الحرص على القضية الفلسطينية، ويتم ذلك في زمن اعتبار بعض أرض فلسطين هدايا يتم تقديمها من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو المرشح للانصراف وربما المثول أمام القضاء.
نسمة الفرح العروبي هذه يتمنى المرء لو تليها نسائم من جانب دول عربية، بحيث تقوم منتخبات بما قام به المنتخب السعودي. كما يتمنى حدوث مبادرات على الصعيد الثقافي والفني.
ويبقى القول في شأن المباراة السعودية - الفلسطينية إن أهميتها في حدوثها وليس في النتيجة. فالرابح فيها هما الفريقان. وعلى هذا الأساس، فإن المباراة حدث تاريخي وأنها المرة الأولى في تاريخ مباريات كرة القدم يكون الرابح رابحاً والخاسر رابحاً أيضاً.
بوركت الخطوة التي هي نسمة فرح عروبي.