توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المعارضة جزء من الدولة

  مصر اليوم -

المعارضة جزء من الدولة

بقلم - جورج إسحق

عندما قرر الخديوى إسماعيل إنشاء أول برلمان مصرى على مستوى العالم العربى والشرق الأوسط وإفريقيا والذى تم افتتاحه فى 25 نوفمبر 1866، طلب أن يكون مشكلا من مجموعة مؤيدة لنظام الدولة وأخرى معارضة، وفى أولى جلساته، قال لهم رئيس البرلمان فى ذلك الوقت إن الخديوى يرغب فى أن يكون هناك حزبان أحدهما يؤيد الحكومة ويجلس على يمين المنصة التى يجلس عليها رئيس مجلس شورى النواب، والآخر يمثل المعارضة ويجلس على يسار المنصة طبقا للتقاليد البرلمانية، وقبل أن يدخل الخديوى ذهب إليهم رئيس البرلمان مرة أخرى ليلقى نظرة، فتفاجأ بجلوس جميع النواب على يمين المنصة التى تؤيد الحكومة، ومن ثم قام رئيس البرلمان بإقناع بعض النواب فى أن يجلسوا على يسار المنصة فى مقاعد المعارضة للدولة، ونجح فى إقناع بعض منهم بذلك.

فهذه اللقطة تلخص نظرة الحكام للمعارضة من قديم الأزل كديكور لتجميل المشهد الديمقراطى المزيف، يأمر بوجودهم ويخصص لهم المكان الذى يريده وتطور الأمر إلى أن أملى عليهم أيضا الكلام الذى يريد أن يسمعه منهم. ولكن هذه المعارضة الديكورية لا تبنى أوطانا ولا تصلح أوضاعا وإنما بالعكس تعمل على انهيار فكرة وجود معارضة حقيقية بناءة مفروض أن تكون جزءا لا يتجزأ من الدولة يساعدها فى قيامها وتقويمها وإصلاحها.

***

إن الدول الضعيفة هى تلك الدول التى ينفرد بها النظام الحاكم بقراراته ومواقفه السياسية بلا رقيب شعبى ومؤسسى ينتقد ما هو ضد الصالح العام وينبه الشعوب على خطر القرارات التى تؤخذ ضد مصلحتهم ومصلحة الوطن ويدعو ويضغط من أجل إصلاحها وتعديل مساراتها. وهذا ما يسمى بالمعارضة البناءة التى تعمل إما منفردة عندما تواجه جبروت السلطة الرافض للإصلاحات أو تعمل مع أصحاب القرار للتذكير والمشاركة برسم السياسات وخلق الآفاق الإصلاحية البناءة. وقيام معارضة بناءة تعمل سويا مع متخذى القرارات وأصحاب السلطة يتطلب مناخا ديمقراطيا صحيا يقوم على الشفافية والمصداقية والحوار الديمقراطى غير ذلك ستكون معارضة منفردة تواجه ظلم وجبروت وطغيان النظام الرافض لوجود معارضة من الأساس. ويلجأ لكل أدوات القمع لمحو وجودها بداية من التشويه والتشهير مرورا بالتخوين والحبس وغيره من مظاهر النظام الاستبدادى.

ومن جهة المعارضة فيجب أن تبرز مفاهيمها وتصوراتها ومواقفها وذلك من خلال كيانات ثابتة معلنة مثل الأحزاب والحركات لما لها من تأثير على إحداث التغييرات الايجابية بالمجتمع. إذن المعارضة موجودة بوجود المجتمعات منذ زمن طويل جدا وعندما تتحدث المعارضة عن النظام بأى بلد كان فإنك تتحدث عن جزء من الدولة جزء يعنى وجهة نظر فى السياسات المتبعة ــ لابد أن توضع فى الاعتبار– سواء سياسات اقتصادية واجتماعية وحتى سلوكية وسياسية بحتة سواء كانت فى الشأن الداخلى أو الشأن الخارجى.

ومن هنا لا يحق لأى كان أن يهمش دور المعارضة برسائلها الإيجابية فهى تسعى دوما لإنصاف المظلوم وتغيير السياسات الخاطئة، وهى موجهة دائما لخدمة الشارع أو المجتمعات فهى تضع المواطن صوب أعينها وتعتبره الجزء المقدس فى الدولة وتسعى للوصول إليه وأن يتبنى سياستها إذا شعر أنها تخدم مصالحه. وهنا نصل إلى مرحلة مهمة فى المجتمعات الديمقراطية التى تفتح المناخ العام وتسمح للمعارضة بالوصول إلى قواعد المجتمع سواء عن طريق إعلام محايد موضوعى لا يستثنى أحدا من الظهور أو عن طريق السماح بمؤتمرات جماعية واستخدام أدوات المعارضة السلمية التى ينص عليها القانون من إضراب أو تظاهر سلمى أو مقاطعة.

وعلى كل الأنظمة أن تعى أن وجود النوع الإيجابى من المعارضة يزيد بنية المجتمع قوة ومتانة، فالقائمون على سياسات المعارضة هم من أبناء الشعب، مواطنون يرفضون الظلم ويسعون دوما للعدالة ورفعة شأن المواطن والدولة على حد سواء. فالحكم الرشيد يجب أن يقوم على دعوة المعارضة للانخراط فى العمل العام والإعلان عن وجودها وتوضيح رسالتها لا أن يقوم على محاربة المعارضين ووأد المعارضة من جذورها بكل أدوات التنكيل، فوجود معارضة بناءة فى المجتمعات يؤثر على استقرار الأوطان ورفعة شأن البلد ويبعد عن جر البلاد لأى فتنة أو لا قدر الله نزاعات أهلية.

***

فالرسالة هنا «يجب أن تحتوى الدولة الجميع وتنتهج منهج الحوار المجتمعى وتجعل من الشفافية والمصداقية شعار عملها»

لكن أين ذلك فيما نعيشه اليوم؟؟

أين ذلك من إعلام دولة يحرض ليل نهار على الكراهية والتخوين والتشهير بالآخر وانتهاك الحياة الشخصية للمعارضين للتنكيل بهم!!

أين ذلك من خطف الشباب المعارض على وسائل التواصل الاجتماعى وعدم الإفصاح عن مكان احتجازهم إلا بعد فترة؟

أين ذلك من تجميد العمل المدنى فى مصر ووضع نشطاء المجتمع المدنى رهن الحبس الداخلى فى مصر وعدم القدرة على السفر والتنقل لسنوات عديدة دون محاكمة!!

أين ذلك من حبس واعتقال قيادات الأحزاب السياسية الشرعية المشهرة وتلفيق التهم لهم!!

فهل يعى النظام أن هذا المناخ هو مناخ مساعد وفعال للإرهاب وليس مناخا مكافحا له، فكيف يحارب الإرهاب بالبندقية فى سيناء وفى نفس ذات الوقت ينشئ بيئة مهيأة لخلق شباب سهل أن يجر لدائرة الإرهاب بإحساسه الدائم بالقهر والظلم والخوف والتنكيل.

نظام الحسبة السياسية التى تسمح لأى محامٍ رفع قضايا ضد أى معارض يُبدى رأيا مغايرا هو هدم لأبسط مبادئ الديمقراطية وتخويف المعارضة وقهرها.

المعارضة جزء من الدولة واستحقاق دستورى يبنى الدولة ولا يهدمها. لأنه لا يوجد «وهم» اسمه هدم الدولة، هذه الدولة التى صنعها أبناء الشعب بتضحياتهم وشهدائهم من جيش وشرطة ومدنيين.

إن وجود المعارضة هو إحياء السياسة التى كادت تموت فى مصر، فالتشدد والتعسف فى التعامل مع المعارضة يدفع إلى العنف والقسوة، ونحن نتمنى أن نخلق مجتمعا سلميا ملتزما بالقانون ومتصالحا مع نفسه لا مجتمع قلق يضع الناس فى حالة من الإحباط وتراجع المشاركة.

الكلمة حصن الحرية.

 

 

عن الشروق القاهريه

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المعارضة جزء من الدولة المعارضة جزء من الدولة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon