بقلم - أحمد عبد الظاهر
فى مقالنا المنشور يوم الثلاثاء الموافق الثامن والعشرين من يونيو الماضى، تم إلقاء الضوء على المطالبات الشعبية بضرورة إنزال عقوبة الإعدام على محمد عادل، المتهم بقتل الطالبة نيرة أشرف، وتنفيذ هذه العقوبة علانية، جزاءً وفاقاً على بشاعة جريمته، حيث قام بذبح المجنى عليها ونحرها، بطريقة وحشية، على رؤوس الأشهاد، أمام أسوار جامعة المنصورة، وتحت سمع وبصر الكثير من الطلاب والطالبات من زملاء وزميلات الطالبة القتيلة وغيرهم ممن تصادف مرورهم فى مكان ارتكاب الواقعة.
والواقع أن الموضوع اكتسب زخماً كبيراً بما ورد فى حيثيات حكم محكمة جنايات المنصورة بالإعدام على المتهم، حيث تقول: «والمَحكمةُ فى نهاية حُكمها، تُنَوه بمناسبة هذه الدعوى، بأنه لمَّا كان قد شَاعَ فى المُجتمع -مُؤخراً- ذبحُ الضحايا بغَير ذَنبٍ جَهاراً نهاراً، والمَهووسُونَ بالمِيديا يَبثُّون الجُرمَ على المَلأ فيرتاع الآمنونَ خَوفاً وهَلعاً، وما يَلبَث المُجتمع أن يُفجَعْ بمثلِ ذاتِ الجُرم من جديد، فمِن هذا المُنطلَقِ، ألَمْ يأنِ للمُشرع أنْ يَجعلَ تنفيذ العقابِ بالحَق مَشهوداً، مِثلما الدمُ المَسفوحُ بغير الحَقِّ صَار مَشهوداً. الأمر الذى مَعه تُهيبُ المَحكمةُ بالمشرع، أنْ يَتَناولَ بالتعديلِ نَصَ المادةِ الخامسةِ والستين، من قانونِ تنظيمِ مَراكز الإصلاح والتأهيل المُجتمَعى المُنظمةِ لتنفيذِ عُقوبةِ الإعدام؛ لِتُجيزَ إذاعةَ تنفيذ أحكام الإعدام مُصَورةً على الهواءِ، ولو فى جُزءٍ يَسيرٍ من بَدءِ إجراءاتِ هذا التنفيذ، فقد يكونُ فى ذلكَ ما يُحَققُ الرَّدعَ العامَ المُبتَغَى الذى لم يَتحَقق -بَعد- بإذاعة مَنطوق الأحكام وَحده. ﴿ويَشفِ صُدورَ قومٍ مُؤمنين ويُذهِبْ غيظَ قلوبهم﴾».
والعلانية قد تتحقق من خلال بث تنفيذ أحكام الإعدام على شاشات التليفزيون، وقد تتحقق بواسطة تنفيذ حكم الإعدام فى مكان عام والسماح لجمهور المواطنين بالحضور. وإذا كانت نصوص التشريعات السارية حالياً لا تسمح بتنفيذ أحكام الإعدام فى مكان عام، فإن هذه النصوص تخول للنيابة العامة أن تأذن لبعض الأشخاص بالحضور، ويمكن أن يكون أهل المجنى عليها من بينهم. وتجدر الإشارة فى هذا الصدد إلى أن بعض الولايات الأمريكية تعرف البث التليفزيونى لأحكام الإعدام. ويمكن أن يجد القارئ العزيز الكثير من القنوات على «يوتيوب»، حيث يمكن مشاهدة تنفيذ أحكام الإعدام. بل إن بعض القنوات تعرض المحاولات الفاشلة لتنفيذ هذه العقوبة. وثمة مؤلف شهير فى هذا الشأن، وعنوانه هو «مشاهد مروّعة: عمليات الإعدام الفاشلة وعقوبة الإعدام فى أمريكا»، للبروفيسور «أوستن سارات» (Austin Sarat)، وهو عميد مشارك للكلية وأستاذ الفقه والعلوم السياسية فى ويليام نيلسون كرومويل فى كلية أمهيرست.
أما فى أركنساس وبعض الولايات الأمريكية الأخرى، لم يكن المسئولون مستعدين لإحضار كاميرات التليفزيون إلى غرفة الموت، ولم يطالب المواطنون ببث تنفيذ أحكام الإعدام على شاشات التليفزيون. ومع ذلك، فإن قانون الولاية يشترط أن يشهد ستة أشخاص على الأقل تنفيذ أحكام الإعدام، لضمان اتباع قوانينها وإجراءاتها. وتنظم أركنساس، مثل بقية الولايات الأخرى، الأشخاص الذين يمكنهم مشاهدة الإعدام، بحيث يمكن فقط «للمواطنين المحترمين» أن يكونوا شهوداً. وبالإضافة إلى ذلك، يشترط قانون أركنساس أن يكونوا مقيمين فى الولاية، وليست لديهم أى إدانات جنائية وأن يكونوا غير مرتبطين بالسجين المحكوم عليه بالإعدام أو الضحية فى القضية. وتوجد لدى الولايات الأخرى لوائح وبروتوكولات مختلفة لتحديد عدد الشهود الذين يجب أن يحضروا تنفيذ أحكام الإعدام والشروط الواجب توافرها فى هؤلاء الشهود. فعلى سبيل المثال، تتطلب ولاية أريزونا حضور 12 شاهداً مواطناً. وتتطلب ولايات أخرى حضور ستة شهود لا علاقة لهم بضحية الجريمة أو الجانى وليسوا أعضاء فى وسائل الإعلام. وتتطلب ولاية تينيسى حضور عمدة المقاطعة التى ارتكبت فيها الجريمة، والمستشار الروحى للمحكوم عليه، ومحامى دفاعه، والمدعى العام للولاية أو من ينوب عنه. والمفارقة فى هذا الصدد أن بعض الولايات لا تتمكن من العثور على عدد كافٍ من الأشخاص المستعدين لحضور ومشاهدة تنفيذ أحكام الإعدام.
وتجدر الإشارة أخيراً إلى أن ثمة تشابهاً كبيراً بين النظام الجنائى الأنجلوساكسونى والنظام الجنائى الإسلامى. وللتدليل على ذلك فى ما يتعلق بالموضوع الذى نحن بصدده، يمكن أن نشير إلى الحكم القرآنى المقرّر بشأن تنفيذ عقوبة حد الزنى، حيث يقول الله عز وجل فى سورة النور: «وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ». وفى تفسير هذه الآية، قال الحسن البصرى يعنى علانية. وفى ما يتعلق بالهدف من هذه العلانية، قيل إن هذا فيه تنكيل للزانيين إذا جلدا بحضرة الناس، فإن ذلك يكون أبلغ فى زجرهما، وأنجع فى ردعهما، فإن فى ذلك تقريعاً وتوبيخاً وفضيحة إذا كان الناس حضوراً. قال قتادة: أمر الله أن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، أى نفر من المسلمين، ليكون ذلك موعظة وعبرة ونكالاً. وفى المقابل، يرى بعض الفقهاء أن ليس ذلك للفضيحة، إنما ذلك ليُدعى الله تعالى لهما بالتوبة والرحمة. وفى ما يتعلق بعدد الحضور، روى عن ابن عباس أن لفظ «الطائفة» يراد به الرجل فما فوقه. وقال مجاهد: الطائفة تتسع من الرجل إلى الألف. وقال أحمد إن الطائفة تصدق على واحد. وقال عطاء بن أبى رباح: اثنان. وقال سعيد بن جبير: «طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ» يعنى رجلين فصاعداً. وقال الزهرى: ثلاثة نفر فصاعداً. وروى عن الإمام مالك والإمام الشافعى، رضى الله عنهما، أن الطائفة أربعة نفر فصاعداً، لأنه لا يكون شهادة فى الزنى دون أربعة شهداء فصاعداً. وقال ربيعة: خمسة. وقال الحسن البصرى: عشرة. وفى الختام، بقى أن نشير إلى أن القصد من هذا الطرح ليس تأييد رأى بعينه، وإنما مجرد البيان والتبيين.