بقلم - أحمد عبد الظاهر
ثمة ثقافة عامة سائدة فى المجتمعات العربية والإسلامية تنظر إلى الطلاق على أنه سبب فى «خراب البيوت»، وبحيث يتم النظر على نطاق واسع إلى الطلاق بأنه مرادف للخراب وتدمير الأسر. ورغم أن الزوجين قد يكونان منفصلين واقعياً منذ فترة طويلة، فإن الأهل والمحيطين والوسطاء يتهيبون الذهاب إلى سبيل الطلاق، مفضلين التأجيل والتسويف فى اللجوء إلى هذا الإجراء. وفى إحدى الدول العربية، عقدت إحدى الجهات القضائية ندوة تحت عنوان «الطلاق ليس حلاً». ويبدو أن هذه الثقافة السائدة هى التى تقف وراء بعض النصوص الواردة فى قوانين الأحوال الشخصية العربية، والتى تطيل أمد الفترة اللازمة للحصول على الطلاق. وهذه الثقافة السائدة وانعكاساتها التشريعية يمكن أن تفسّر لنا سبب تأخر قضايا الطلاق أمام المحاكم، وبحيث لا يتم الفصل فيها سوى بعد فترة طويلة، تتجاوز السنة فى معظم الأحوال. وفى هذا الشأن ثمة رواية طريفة ذكرها الأستاذ محمد حسنين هيكل فى برنامجه التليفزيونى الشهير «مع هيكل». ففى حلقة بعنوان «معارك الآراء فى الصحافة»، يقول الكاتب الكبير إن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى يوم من الأيام تلقى خطاباً من الملك السعودى الراحل، سعود بن عبدالعزيز آل سعود، ويتعلق بالأميرة ناريمان صادق، الزوجة السابقة للملك فاروق، حيث لجأت إلى الملك السعودى آنذاك، راجية مساعدته لها فى الحصول على الطلاق من شخص تزوجته بعد الملك فاروق. وكتب الملك سعود بإمضائه وتوقيعه خطاباً إلى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، طالباً مساعدتها فى الحصول على الطلاق، مؤكداً أن هناك قضية منظورة أمام المحاكم فى هذا الشأن.
الطلاق هو الحل الوحيد للكثير من حالات الشقاق والخلاف بين الزوجين، والتى تتحول فيها حياتهما معاً إلى جحيم لا يطاق. وللتدليل على ذلك، يكفى أن نشير إلى الكثير من الحوادث التى كثر وقوعها فى الآونة الأخيرة، حيث يُقدم أحد الزوجين على قتل الآخر، الأمر الذى يدعونا إلى القول بأنه كان من الأفضل لهما الانفصال بدلاً من اللجوء إلى القتل.
إن الطلاق يشكل حقاً للزوجة، إذا استحالت حياتها إلى جحيم لا يطاق، وبحيث لم تعد تجد فى هذه الرابطة المقدّسة السكن والمأوى والملاذ. وفى ذلك، تقول المحكمة الدستورية العليا المصرية إن «الطلاق وإن شرع رحمة من الله بعباده، وجعل أمره بيد الرجل باعتباره أقدر على تحكيم العقل وتبصر العاقبة؛ وكان الطلاق من فرق النكاح التى ينحل الزواج الصحيح بها بلفظ مخصوص، صريحاً كان أم كنائياً؛ وكان غالباً ما يقع إذا ما غفا وازع الدين والخلق، وصار بنيان الأسرة متهادماً، وصرحها متداعياً، ورباطها متآكلاً يكاد أن يندثر؛ وكان وقوع شقاق استفحل أمره بين الزوجين انحرافاً من أحدهما أو كليهما عن مقاصد الزواج، يقيم بينهما جفوة فى المعاملة لا يكون العدل والإحسان قوامها، بل يذكيها التناحر، فلا تكون حياتهما إلا سعيراً يمتد أواره إلى الأسرة جميعها، فلا يؤول أمرها إلا هشيماً، ولا يكون إلفها ووفاقها إلا حسيراً، وكان خلافهما وإن صار عميقاً، ونزاعهما مستحكماً، لا يحول دون جهد يبذل من جانبها أو من قِبل رجلين عدلين من أهلهما إن أمكن، يسعيان بينهما معروفاً، وينظران فى أمرهما ليقيما بينهما حدود الله تعالى، فإن تعذّر أن يصلحا ما اختل من شئونهما، أغنى الله -إن تفرقا- كلاً من سعته. بيد أن الفقهاء مختلفون فيمن يستبد حينئذ بالتفريق بينهما، ولكل وجهة هو موليها» (حكم المحكمة الدستورية العليا المصرية، 5 يوليو 1997م، القضية رقم 82 لسنة 17 قضائية دستورية، مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا، الجزء الثامن، من أول يوليو 1996م حتى آخر يونيو 1998م، رقم 46، ص 693).
وقد يعتقد البعض أن مشكلة تأخر الفصل فى دعاوى الطلاق قاصرة على المجتمعات العربية والإسلامية، والمجتمع المصرى على وجه الخصوص. والواقع أن هذه الظاهرة توجد كذلك فى الكثير من المجتمعات الأوروبية. ففى المملكة المتحدة، على سبيل المثال، وبعد عقد كامل من الانفصال بينهما، وبعد معركة قانونية استمرت سبع سنوات، لا يزال كل من الأرستقراطى تشارلز فيليرز وإيما فيليرز متزوجين بحكم القانون. إذ انفصل الزوجان جسدياً فى عام 2012م بعد ثمانية عشر عاماً من الزواج، حيث لا يزال السيد فيليرز يعيش فى أسكتلندا، بينما تعيش السيدة فيليرز فى لندن. ورغم مرور هذه السنوات الطوال، لا يزالا زوجين أمام القانون. وإزاء تأخر الفصل فى القضية، فإن الأرستقراطى تشارلز فيليرز وجد من الضرورى أن يوجّه نداءً إلى قضاة المحكمة العليا للسماح -على حد وصفه- بفسخ هذه الزيجة التى فقدت جميع عوامل الاستمرار والقائمة بالاسم فقط. واحتل تشارلز فيليرز، وهو فى أواخر الخمسينات من عمره، وزوجته المنفصلة إيما فيليرز، التى كانت فى أوائل الستينات من عمرها، عناوين الأخبار بعد تورطهما فى جدال حول ما إذا كان ينبغى عليهما التقاضى من أجل المال فى محكمة أسكتلندية أو إنجليزية. وجادل السيد فيليرز بأنهما كانا مطلقين فى أسكتلندا، وبالتالى يجب أن يتم التقاضى من أجل الجانب المالى فى محكمة أسكتلندية، لكن قضاة المحكمة العليا البريطانية حكموا ضده. ومنذ شهر يناير الماضى، يقوم ثلاثة من قضاة محكمة الاستئناف بنظر المرحلة الأخيرة من المعركة القانونية التى بدأت قبل سبع سنوات. وثمة اعتقاد سائد لدى جميع المحيطين بالزوجين بأنهما «دُمّرا مالياً» بسبب إجراءات التقاضى المعقّدة والرهيبة، على حد وصف البعض، وعبّر البعض عن اعتقادهم بأن كليهما «متضرر نفسياً».
إن الطلاق هو الحل الوحيد للزيجات الفاشلة، ونرى أنه لا يجوز بأى حال من الأحوال أن يمتد الفصل فى دعاوى الطلاق لأكثر من أربعة أشهر، حتى لا تجد الزوجة نفسها معلقة فى علاقة فاشلة، ولا تستطيع بالتالى أن تبدأ حياة جديدة، وقد يؤدى تأخر الفصل فى دعواها إلى فوات الفرصة الأخيرة لها للزواج من جديد وإنجاب الأبناء. «وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً».