توقيت القاهرة المحلي 06:10:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

  مصر اليوم -

نحو قانون متوازن للأسرة بيت الطاعة

بقلم - أحمد عبد الظاهر

«بيت الطاعة» هو اسم فيلم كوميدى مصرى من إنتاج سنة 1953م، وتم عرضه لأول مرة فى العاشر من شهر أغسطس سنة 1953م، من تأليف وسيناريو وإخراج الفنان القدير يوسف وهبى، ولعب دور البطولة فيه يوسف وهبى وهدى سلطان وإسماعيل يس ومارى منيب وفريد شوقى وزوزو ماضى. وتدور أحداث الفيلم حول زوجين كان يجمعهما رباط الحب، ولكن تشتد المشاحنات والخلافات الشديدة بينهما حتى وصل الأمر إلى ساحات القضاء، حيث يصدر الحكم لصالح الزوج بإلزام زوجته بالدخول فى طاعته. وبالفعل، وتنفيذاً لهذا الحكم القضائى، تدخل الزوجة فى طاعة زوجها، ومن هنا يبدأ الزوج فى تأديب زوجته. وهكذا، وكعادة الفن الهادف، كانت السينما سباقة فى إلقاء الضوء على المشكلات الأسرية وبيان أوجه الخلل التى تشوب القوانين والتشريعات المختلفة، بما يقود فى نهاية المطاف إلى النظر فى إمكانية تعديلها، بما يحقق التوازن فى العلاقات الزوجية والأسرية بوجه عام.

وبالنظر إلى تاريخ إنتاج الفيلم، يبدو جلياً أن المشكلة التى نحن بصددها قديمة تعود إلى عقود عديدة مضت، ومع ذلك، فإن هذه المشكلة ما زالت مستمرة تراوح مكانها، ودون أن تصدر التشريعات المناسبة فى شأنها. والواقع أن العديد من الأزواج ما زالوا حتى وقتنا الحالى يعمدون إلى رفع دعاوى (طاعة زوجية)، حيث يطالب الزوج بإلزام الزوجة المدعى عليها بالعودة إلى منزل الزوجية والدخول فى طاعة المدعى وعدم الخروج إلا بإذنه، وإلا عدت ناشزاً. وتستقبل المحاكم فى العديد من الدول العربية العديد من دعاوى طلب الحقوق الشرعية المقدمة من الأزواج ضد زوجاتهم بهدف الهروب من النفقة، واقتيادهن إلى بيت الزوجية بالإجبار.

وبمناسبة الدعاوى سالفة الذكر، تصدر العديد من الأحكام القضائية فى مصر وغيرها من الدول العربية بدخول المدعى عليها فى طاعة زوجها المدعى والعودة لبيت الزوجية، وعدم مغادرته إلا بإذن أو بمسوغ شرعى. وقد يعتقد البعض أن القضاء سالف الذكر يستند إلى أساس شرعى، حيث توجب أحكام الشريعة الإسلامية على الزوجة الالتزام بطاعة زوجها وأن تستقر فى المسكن الذى يقيم فيه، متى توافرت فى هذا المسكن شروط معينة. ولعل ذلك يبدو جلياً من مطالعة المذكرة الإيضاحية للقرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية. فقد ورد فى المذكرة الإيضاحية المشار إليه أنه: «لما كانت الشريعة الإسلامية قد جعلت حقوق الزوجية وواجباتها متقابلة، فحين ألزمت الزوج بالإنفاق على زوجته فى حدود استطاعته، أوجبت على الزوجة طاعته، وكان مظهر هذه الطاعة أن تستقر الزوجة فى مسكن الزوجية الذى هيأه لها الزوج امتثالاً لقول الله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن...) من الآية 6 من سورة الطلاق. ومع ذلك، وفى برنامجه التليفزيونى (الإمام الطيب)، المذاع عبر فضائية (DMC) المصرية، وفى يوم 8 مايو 2021، قال الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب إن «من أهم ما أكده العلماء فى فقه المرأة، إلغاء ما يعرف ببيت الطاعة إلغاءً قانونياً قاطعاً لا لبس فيه ولا غموض، لما فيه من إهانة للزوجة». وفى الاتجاه ذاته، يؤكد البعض أن مسمى بيت الطاعة ليس له وجود فى الإسلام، بل هو قانون مأخوذ من القانون الفرنسى قديماً، لأن الأصل فى الحياة الزوجية الرضا والمودة والمعاشرة بالمعروف. وقد كفل الشرع لمن ساءها من زوجها خلق وعجزت عن الحياة معه أن تخلعه، كما كفل هذا الحق للزوج بالطلاق، فهو لا يجبر طرفاً للعيش بالإجبار مع من يكرهه؛ وقصة زوجة قيس بن ثابت، رضى الله عنهما، دليل، عندما ردت إليه حديقته مقابل الخلع.

ويثور التساؤل فى هذا الشأن عن الآلية التى يمكن من خلالها تنفيذ أحكام الطاعة، وما إذا كان ذلك يمكن أن يتم بالقوة الجبرية، وهو أمر غير منطقى وغير عقلانى وغير إنسانى. ولذلك، تنص المادة (75) من نظام التنفيذ السعودى على أنه «لا ينفذ الحكم الصادر على الزوجة بالعودة إلى بيت الزوجية جبراً»، بمعنى أن تلك الدعوى لا تنفّذ جبراً حتى لو صدر فيها حكم قضائى. وغالباً قد تنتهى الدعوى فى مثل هذه الحالات بالصلح أو الخلع أو الفسخ. وعلى حد قول البعض، فإن المهم فى هذا الصدد هو ألا تبقى المرأة معلقة بما يخالف رغبتها، حتى لا يترتب على الحكم إسقاط حقها فى النفقة والسكن. وهذا منافٍ للعدل الذى أمر الله تعالى به.

وإذا كان نظام التنفيذ السعودى قد اكتفى بالنص على عدم جواز التنفيذ الجبرى للأحكام الصادرة على الزوجة بالعودة إلى بيت الزوجية، فإن الأفضل والأنسب هو ألا تصدر مثل هذه الأحكام من الأساس. ففى المملكة المغربية، وبتاريخ 9 مارس 2020، أصدرت المحكمة الابتدائية بالرباط حكمها برفض الطلب المقدم من الزوج والذى يعرض من خلاله أن المدعى عليها زوجته لم تمكنه من الدخول بها، ملتمساً الحكم عليها بتمكينه من الدخول بها مع النفاذ المعجل وتحميلها الصائر، مدلياً بصورة عقد زواج وصورة محضر جلسة وشهادة طبية. وهكذا، فإن مدار الطلب ومنتهاه هو تمكين المدعى عليها من المعاشرة الزوجية بحسبان كونها زوجته. وقد استندت المحكمة فى حكمها برفض الطلب إلى أنه «باستقرار المادة 51 من مدونة الأسرة يتضح أن المساكنة الشرعية هى فى الوقت ذاته واجب وحق لكلا الزوجين، وهى إنما تدرك بالصفا أو بالجفا لقول الرسول، صلى الله عليه وسلم، (لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة وليكن بينهما رسول، قيل وما الرسول يا رسول الله؟ قال القبلة والكلام).

وفى الختام، يبقى الإشارة إلى المثل الشعبى الذى يقول: «كل شىء بالخناق إلا الجواز بالاتفاق». وهذا القول ينطبق على العلاقة الزوجية فى مبتدئها وفى استمرارها. والغريب أن يلجأ بعض الشباب أخيراً إلى قتل محبوبته لمجرد رفضها الارتباط به. ومن هنا، تبدو أهمية تغيير الثقافة المجتمعية الحاكمة للزواج، ونقطة البداية فى هذا الاتجاه تكمن فى حذف مصطلح «بيت الطاعة» من قاموسنا. ولتحقيق هذا الهدف، يبدو من الضرورى تغيير لغة التشريعات الحاكمة للأحوال الشخصية بحيث تأتى متسقة مع روح العصر. والله من وراء القصد. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نحو قانون متوازن للأسرة بيت الطاعة نحو قانون متوازن للأسرة بيت الطاعة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon