تعليقاً على مقالنا المنشور الأسبوع الماضى، تحت عنوان «توصيف وظيفى للوزراء»، وفى رسالة شخصية عبر تطبيق «واتس آب»، يقول الصديق العزيز اللواء الدكتور شوقى صلاح، عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة: «أتفق معكم فى أهمية وضع الوصف الوظيفى لمنصب الوزير لكل وزارة.
وبالنسبة للتعديل الوزارى الأخير، فإن معيار اختيار وزير السياحة هو الذى يحتاج إلى مزيد من التأمل.. فهل الوزير منصب سياسى دون اعتبار لفهمه الفنى الدقيق لمهام وزارته؟ إن كان المنصب سياسياً، فمن هذا المنطلق يمكن أن تتولى سيدة حقيبة وزارة الداخلية أو الدفاع، رغم أن خلفيتها العلمية والإدارية فى المجال الهندسى أو الطبى.
أما إذا كان معيار الاختيار فنياً؛ فينبغى أن تتفق مؤهلات المرشح وخبراته مع مجال عمل الوزارة التى تم اختياره لتوليها، وهو المتبع فى واقعنا المصرى.. لذا كان من المستغرب تعيين مصرفى محترف فى منصب وزير السياحة والآثار، خاصة أن وزيرها السابق يكاد لا يختلف مصرى واحد -حتى من أهل الشر- على قدر احترافيته وأدائه بالغ التميز.. لذا تشكك البعض فى الرجل، مرددين أكيد هناك سبب لا نعرفه لهذا التغيير!»، ولنترك الحكم بشأن صواب الاختيار من عدمه للزمن.
وإن جاز لى أن أوجه رسالة إلى السيد رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، فأقترح عليه -رغم أن المقترح جاء متأخراً- أن يعقد مؤتمراً صحفياً عقب التعديل الوزارى للرد على استفسارات الجمهور المصرى فى هذا الشأن بالغ الأهمية، فهو مسئول سياسياً عن أغلب هذه الاختيارات».
وكما سبق أن قلنا، فإن الوصف الوظيفى يتضمن واجبات ومسئوليات الوظيفة والصلاحيات والسلطات المنوطة بشاغلها، وشروط الأهلية لشغلها، متمثلة فى المؤهلات العلمية والخبرات العملية المطلوبة فيمن يتولاها.
وبتطبيق ذلك على المنصب الوزارى، وفى ما يتعلق بالشروط المتعين توافرها فى المرشح للمنصب، تجدر الإشارة إلى أن المادة (164) الفقرة الثانية من الدستور تنص على أنه «يُشترط فيمن يعين عضواً بالحكومة، أن يكون مصرياً، متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وأن يكون قد أدى الخدمة العسكرية أو أعفى منها قانوناً، بالغاً من العمر ثلاثين سنة ميلادية على الأقل فى تاريخ التكليف».
ومتى توافرت هذه الشروط فى الشخص المعنى، وتم تعيينه فى الحكومة وقبل التعيين فى المنصب الوزارى، فلا يجوز له -طبقاً للمادة 164 الفقرة الثالثة- الجمع بين عضوية الحكومة وعضوية مجلس النواب، وإذا عُين أحد أعضاء المجلس فى الحكومة، يخلو مكانه فى المجلس من تاريخ هذا التعيين.
والبين من النص سالف الذكر أن الوزير ينبغى أن يكون مصرياً، سواء كانت الجنسية أصيلة أو مكتسبة، وليس بشرط أن يكون من أبوين مصريين، وذلك خلافاً لما عليه الحال بالنسبة لمنصب رئيس مجلس الوزراء، الذى يشترط فيه أن يكون مصرياً من أبوين مصريين.
وينبغى كذلك أن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية.
ورغم أن النص قد ورد خلواً من اشتراط حسن السيرة والسمعة، فإن هذا الشرط لازم فى كل من يلتحق بالوظيفة العامة. ومن ثم، فإن هذا الشرط متطلب من باب أولى فيمن يتولى الوزارة.
وبالإضافة إلى هذه الشروط، فإن الوزير قد يكون سياسياً، كما هو الشأن فى الحكومات السياسية، وقد يكون فنياً، كما هو الشأن فى حكومات التكنوقراط.
والمتتبع لتشكيل الحكومات فى مصر، يمكن أن يلحظ بوضوح أن معظم الوزراء هم من التكنوقراط، الأمر الذى يبدو مستساغاً معه أن نطلق على هذه الحكومات مصطلح حكومة التكنوقراط (Technocrat Government).
ويُنسب الفضل فى استخدام هذا المصطلح إلى المهندس الأمريكى «هنرى سميث» (Henry Smyth)، وذلك فى مقاله المنشور سنة 1919م فى «مجلة الإدارة الصناعية» (journal of Industrial Management)، وحمل عنوان «الطرق والوسائل لكسب الديمقراطية الصناعية» (The Ways and Means to Gain Industrial Democracy).
وفى هذا المقال استخدم الكاتب مصطلح (Technocracy)، قاصداً به أنّ الديمقراطية الصناعية يمكن أن تُطبّق عن طريق إدماج الفنيين أو أصحاب الكفاءات الفنية التقنية فى عملية صنع القرار.
ومصطلح «التكنوقراط» (Technocracy) هو عبارة عن كلمة يونانية الأصل، مُكوّنة من لفظين، هما: «تكنو» (τέχνη)، وتعنى الفن، و«قراطوس» (κράτος)، وتعنى الحُكم.
ومن ثم، يكون المراد بهذا الاصطلاح هو الحُكم الفنى؛ أى الذى يرتبط بمجموعة من الأشخاص المتخصصين فى مجال ما، مثل: الاقتصاديين، والأطباء، والأدباء، وغيرهم، عن طريق تأسيس حكومات يكون وزراؤها من المتخصصين؛ فتسمى «حكومة تكنوقراطية» أو «حكومة الكفاءات».
والفرض فى هذا النوع من الحكومات أن يكون تخصص ومجال عمل المرشح للمنصب الوزارى مرتبطاً بطبيعة عمل الوزارة المرشح لها، وبحيث يكون وزير الصحة طبيباً، ووزير الإسكان مهندساً، ووزير الداخلية أحد رجال العمل الشرطى، وهكذا.
فإذا أردنا بعد ذلك تحديد مهام ومسئوليات وواجبات الوزير، فإن المادة (168) الفقرة الأولى من الدستور تنص على أن «يتولى الوزير وضع سياسة وزارته بالتنسيق مع الجهات المعنية، ومتابعة تنفيذها، والتوجيه والرقابة، وذلك فى إطار السياسة العامة للدولة».
وهكذا، فإن المهمة الرئيسية والأساسية للوزير هى «وضع سياسة وزارته»، وأن يتم ذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية، وبما يتّسق مع السياسة العامة للدولة.
وبمجرد إقرار هذه السياسة، فإن الوزير هو المنوط به متابعة تنفيذها، والتوجيه والرقابة.
وبطبيعة الحال، فإن وضع السياسة العامة للوزارة ينبغى أن يتم بمراعاة البند المالى المقرر لها فى الموازنة العامة للدولة. وحتى تكون هذه السياسة ناجحة، ينبغى أن تكون واقعية، وأن يتم مراعاة فقه الأولويات فى إعدادها، وأن يتم تنفيذ الإجراءات الأقل كلفة والأكثر فاعلية ومردوداً فى تحسين الخدمات العامة المقدمة للمواطنين.
وانطلاقاً من هذه الضوابط والمعايير والمحددات، وفى ما يتعلق بوزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالى، فإن أول اهتمامات الوزير المعنى ينبغى أن تتجه إلى تطوير المناهج التعليمية والدراسية، ومراعاة أن تأتى هذه المناهج متسقة ومتوافقة مع الأحكام الدستورية، وبحيث تكفل هذه المناهج تحقيق الأهداف المنصوص عليها فى المادة التاسعة عشرة الفقرة الأولى من الدستور، بنصها على أن «التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمى فى التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه فى مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية».
وفى اعتقادى فإن تحقيق هذه الأهداف يأتى سابقاً على إنشاء المدارس وتطبيق نظام «البابل شيت» (Bubble Sheet) فى الامتحانات ومنظومة التابلت الهادفة إلى تغيير شكل وطريقة التدريس ونظام الكتاب المفتوح (Open Book) وغيرها من المبادرات التى أثارت لغطاً كبيراً. والله من وراء القصد.