بقلم: أحمد عبد الظاهر
تناولنا فى المقال السابق المرأة فى كتابات توفيق الحكيم، حيث عرضنا رؤيته فيما يتعلق بعمل المرأة، وذلك من خلال الحوار التخيلى بينه وبين إحدى طالبات الجامعة آنذاك.
وأول ما يسترعى الانتباه فى هذا الحوار هو أن الحكيم بدأ بعرض وجهة النظر المدافعة عن حق المرأة فى تولى الوظائف العامة مع بيان أسانيدها ومبرراتها، على لسان طالبة الجامعة شريكته فى الحوار القصصى. كذلك، ورغم أن الحكيم لم يخف معارضته ورفضه خروج المرأة للعمل، إلا أنه فى ذات الوقت يؤكد تقديره وتوقيره للمرأة وإبراز الأهمية الكبيرة والمكانة العظيمة لها فى المجتمع، لدرجة أنه يرى أن لها وظيفة أهم وأسمى من المستشارة أو الوزيرة، وهى «الملكة» أو «الإلهة»، فلم ينطلق الحكيم فى رؤيته من نظرة دونية للمرأة أو عدم تقدير لأهمية دورها فى المجتمع، بل على العكس من ذلك، يؤكد الحكيم تقديره للمرأة وإدراكه التام الكامل لأهمية دورها، إلى درجة إسباغ وصف «الملكة» أو «الإلهة» عليها، الأمر الذى يستحق الإشادة والثناء. ولذلك، ليس من الإنصاف إطلاق لقب «عدو المرأة» على الحكيم، واعتقادى أن الإسراف فى التوصيفات وإطلاق الألقاب لا يمثل منهجاً رشيداً.
إن حسن معاملة المرأة يشكل سمة أساسية من سمات المجتمعات الراقية والشخصيات المرهفة، وكما قال باشا خان «إذا كنت تريد أن تعرف درجة مدنية ورقى أى مجتمع، انظر إلى تعامله مع المرأة»، فالمرأة ليست نصف المجتمع كما يقولون، بل هى كل المجتمع إذا أحسنت القيام بدورها ورسالتها. وفى توصيف الوظيفة الاجتماعية للمرأة، لا يجوز لأحد أن يجادل فى أن أسمى مهمة لها هى رعاية أسرتها وأبنائها، ثم تأتى بعد ذلك كل المهام الأخرى، ولكى تقوم المرأة بهذا الدور على أكمل وجه ينبغى أن تكون متعلمة ومثقفة وواعية، وكما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق.
أما فيما يتعلق بعمل المرأة، فالملاحظ أن الحوار بين الحكيم وطالبة الجامعة قد انصب على تولى الوظائف العامة، وفى هذا الصدد، لا يمكن لأحد أن يعارض حق المرأة فى الوظيفة العامة، بل إن بعض المرافق الحكومية لن يستقيم العمل بها إلا من خلال وجود المرأة بها، كما هو الشأن بالنسبة للمؤسسات العقابية المخصصة للنساء وعمليات تفتيش النساء فى المطارات وتفتيش الأنثى المتهمة بارتكاب جريمة جنائية، فلا يمكن لعاقل إذن أن يعارض حق المرأة فى تولى الوظائف العامة، ولكن، ينبغى التسليم أيضاً بأن ثقافة الوظيفة العامة ينبغى تغييرها سواء بالنسبة للرجل أو المرأة، فقد مضى العهد الذى كان الجميع فيه يسعى إلى الوظيفة الحكومية، وينبغى على الشاب، ذكراً كان أو أنثى، أن يمد بصره إلى ما هو أوسع وأشمل من الوظيفة العامة، إن التكنولوجيا الحديثة قد جعلت من الميسور للشاب أن يبدأ مشروعه الخاص من منزله، دونما حاجة إلى استئجار مقر لممارسة نشاطه المهنى أو التجارى أو الصناعى، مستخدماً موقعاً إلكترونياً أو مستخدماً إحدى الخدمات التى يوفرها مزودو خدمات مواقع التواصل الاجتماعى، كما هو الشأن فى الخدمة التى يوفرها موقع التواصل الاجتماعى واتس آب، ولا تعلم المجتمعات العربية عنها شيئاً، وهى (What’s for business)، وهذه الخدمة مجانية، وتوفر خدمة الرد الآلى عبر الروبوت، ويوجد بها فى الولايات المتحدة الأمريكية والهند خدمة الدفع عن بعد. لقد كانت المرأة الريفية فى الماضى تجعل من بيتها مصنعاً متكاملاً أو عدة مصانع فى آن واحد، فكانت تقوم بتربية الطيور والدواجن وتنتج الجبن والسمن البلدى والبيض الطازج والصابون.
إن الاقتصاد الحديث يقوم على تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ويمكن لكل شاب، ذكراً كان أو أنثى، أن يكون له مشروعه الخاص، ويمكن للمرأة أن تباشر عملها الخاص من منزلها، بما يسمح لها بالتوفيق بين متطلبات عملها وواجباتها الأسرية، ولا أعتقد أن توفيق الحكيم أو غيره يمكن أن يعارض فى أن تكون المرأة عنصراً منتجاً فاعلاً فى المجتمع، تؤدى دورها فى العملية الإنتاجية، جنباً إلى جنب مع الرجل.. والله من وراء القصد.