فى يوم السبت الموافق الثالث عشر من أغسطس الحالى، عرفت مصر تعديلاً وزارياً شمل ثلاثة عشر وزيراً. وكان السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى قد كتب على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»: «دعوت مجلس النواب اليوم (السبت) للانعقاد لمناقشة تعديل عدد من الحقائب الوزارية التى تم التوافق على تغييرها بعد التشاور مع رئيس مجلس الوزراء».
وأرجع الرئيس السيسى أسباب التعديل الوزارى إلى «تطوير الأداء الحكومى فى بعض الملفات المهمة على الصعيدين الداخلى والخارجى».
والواقع أنه كلما جاءت حكومة جديدة أو حدث تعديل وزارى، تصاعدت الأسئلة عن مؤهلات الوزراء الجدد، وكذا عن أسباب تغيير بعض الوزراء القدامى. ومن خلال متابعة ما نُشر على وسائل التواصل الاجتماعى، يمكن القول إن الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم السابق، هو أكثر الوزراء الذين خرجوا من الحكومة إثارة للجدل، وامتدت حالة الجدل إلى ما بعد رحيله، حيث انقسم الرأى حوله بشكل حاد، ما بين مؤيد ومعارض.
وقد عبّر أحد الكتّاب عن سعادته برحيله، واصفاً إياه بعبارة «الوزير المغترب عن واقعنا»، مستطرداً أن «هذا العابر كان بين مكتبه ومدرسة المنيرة الإعدادية ثلاثون خطوة، ولو زارها، واستمع إلى المدرسين والتلاميذ لكفانا تجاربه، لكنه لم يفعل.
بقى طوال الوقت يعيش فى عالم افتراضى ملىء بصور ورسوم بيانية ملونة يعرضها على مدارس متهالكة».
ويضيف عالم الاجتماع السياسى، قائلاً: «انتقدته بشدة وحِدّة وقت أن كان فى منصبه، وتوديعه على هذا النحو لا يقصده، فقد راح، إنما هو رسالة إلى د. رضا حجازى الذى جلس مكانه، لعله ينتبه ويجتهد ويصلح ما أفسده سلفه. وهذا لن يتم إلا بمراجعة المنظومة الحالية، وقد يكون عقد مؤتمر قومى للتعليم أمراً بات واجباً فى الوقت الراهن، على أن تكون مخرجاته ملزمة».
ومن ناحية أخرى، وفيما يتعلق بوزارة الصحة، قام الصديق العزيز الدكتور محمد صلاح البدرى، فى مقاله المنشور بهذه الجريدة الغراء يوم الخميس الموافق 18 أغسطس الحالى، بتعداد المطالب والمشروعات المأمول إنجازها من الوزير الجديد، مبيناً التحديات التى تواجه القطاع الصحى، وداعياً إلى إجراء تغيير فى استراتيجية الصحة بالكامل، لتحمل شقاً عاجلاً سريع التأثير، بجانب خطة 2030م القائمة بالفعل.
ومن ناحية ثالثة، كانت وزارة الموارد المائية والرى إحدى الوزارات التى طالها التعديل، حيث خرج الدكتور محمد عبدالعاطى، وحل محله الدكتور هانى سويلم. وفيما يتعلق بهذه الوزارة، وفى منشور على صفحته بموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، طالب وزير الرى الأسبق محمد نصر الدين علام بوضع كادر مالى جديد لمهندسى الرى، مبرراً ذلك بالمهام الجسيمة الملقاة على عاتقهم، لا سيما مع تحديات الندرة المائية التى تعانى منها البلاد، بالإضافة إلى التحديات الدورية والمتجددة فى حوض النيل، ومنعاً لتسرب أعداد كبيرة من هذا الكادر النادر إلى الخارج وإلى جهات القطاع الخاص فى الإنشاءات بحثاً عن مرتبات أعلى لسد تكاليف أعباء الحياة.
وفى تاريخ سابق مباشرة على التعديل الوزارى، وفى منشور آخر على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، يقول وزير الرى الأسبق: «عادة ما يتم إطلاق الوزير الفنى على وزير الرى، وده لقب ليس مستحدثاً حالياً ولكن كان يتم إطلاقه علىَّ شخصياً وكذلك الوزراء من قبلى، وكنت عضواً فى البرلمان، وكنت وما زلت أحفظ تاريخ حوض نهر النيل من معارك واتفاقيات وحروب فرعونية وإسلامية وصليبية وعثمانية وبريطانية وفرنسية وإيطالية، وكنت أعمل قبل الوزارة أستاذ هندسة تخطيط وإدارة موارد مائية ورئيساً للقسم، وكنت حاصلاً على دكتوراه وماجستير من إم آى تى، أيام لما كنت أدخل أمريكا ويعرفوا إنى طالب فى هذه الجامعة لا يفتشوا حقائبى، وكانت جامعة يشار لها بالبنان وكان أساتذتنا فى السبعينات والثمانينات أعظم علماء الأرض فى ذلك الوقت فى المياه.
كل ده، علم وهندسة وتاريخ ومعارك وعضو برلمان، ويقولوا وزير فنى أمال مين الوزير السياسى؟». وفى منشور ثالث، يقول وزير الموارد المائية والرى الأسبق إن وزير الرى كان يعين فى الغالب من داخل الوزارة، حتى بداية السبعينات من القرن الماضى، وذلك قبل بداية تدهور مستوى القيادات نسبياً من داخل الوزارة.
وبوجه عام، وأياً ما كان مسمى الوزارة التى يتولاها الوزير، وتحت عنوان «فقه الأولويات»، وفى منشور على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، بتاريخ الخامس عشر من أغسطس الحالى، يقول وزير الموارد المائية والرى الأسبق إن «الذكاء فى المرحلة الحالية للوزراء الجدد يتمثل فى التقليل من التصريحات، وعدم إطلاق الوعود والإفراط فى الأحلام. وقد يكون الصمت لفترة لاستيعاب أهم التحديات مطلباً رئيسياً فى هذه المرحلة السياسية الحرجة. فقه الأولويات فى الحديث والمناقشة والتحليل مطلوب، بمعنى تحدث المسئول عن أهم القضايا الشعبية ووسائل حلها، وليس حديثاً عاماً فلسفياً لاستعراض الثقافة والقدرات الشخصية. يجب تعلم اللغة المقبولة شعبياً وسياسياً لاستخدامها وإجادتها، ويجب أن نبعد عن التصريحات الخلابة والآمال المبالغ فيها».
وبعيداً عن الخوض فى مثل هذه الآراء والدعوات، وحتى يكون تقييم عمل الوزير، أى وزير، موضوعياً، أرى من المناسب أولاً «حوكمة الفكر» فيما يتعلق بالمناصب الوزارية، وذلك من خلال إعداد ما يمكن أن نطلق عليه «توصيف وظيفى للوزراء»، وذلك على غرار ما هو معمول به بالنسبة لغيرهم من موظفى الدولة.
وغنى عن البيان أن «التوصيف الوظيفى» (Job Description) هو وثيقة تعدها الجهة الحكومية أو المؤسسة أو الشركة لكل وظيفة على هيكل تنظيمى، بحيث يتضح فى الوصف الوظيفى مجموعة عناصر مهمة مثل: المسمى الوظيفى، مكان العمل، المسئول المباشر، واجبات الوظيفة التى يناقشها الوصف الوظيفى المعنى، الأهلية أو المؤهلات التى يجب أن يتمتع بها صاحب الوظيفة والمؤهلات العلمية والتدريبية المطلوبة من صاحب الوظيفة.
وتختلف طريقة إعداد التوصيف الوظيفى من مؤسسة إلى أخرى، ولكنها جميعاً تجتمع على أن تكون العناصر المذكورة أعلاه، أو معظمها، متوافرة فى الوصف الذى يتم إعداده لكل وظيفة. وفى العادة، يكون الوصف الوظيفى جاهزاً قبل الإعلان عن الوظيفة، وتتم مقابلة طالبى الوظائف على أساس من مكونات الوصف الوظيفى الموجود لدى إدارة الموارد البشرية، وتكون هذه الوصوفات جزءاً من دليل الجهة الحكومية أو الشركة أو الهيئة أو المؤسسة الذى يشمل أنظمة العمل وسياسات الجهة.
ولا تتشابه الوصوفات الوظيفية لنفس الوظيفة عند كل الجهات أو الشركات، حيث إن لكل جهة أنشطتها الخاصة، ولها طبيعتها الخاصة، ولها توزيع الواجبات الخاص بها. ولذلك، وعلى سبيل المثال، ليس من السهل تطبيق نفس الوصف الوظيفى لوظيفة مدير شئون العاملين على جميع مديرى شئون العاملين فى كل الجهات، وإن كانت هناك مهام وواجبات مشتركة بين جميع مديرى شئون العاملين فى الجهات كافة. وعلى هدى من هذه العناصر والمحددات، سنحاول فى المقال القادم، إن شاء الله، بيان الوصف الوظيفى لمنصب الوزير.