بقلم - أحمد عبد الظاهر
منذ تنصيبه رئيساً لجامعة القاهرة، تحدث الدكتور محمد عثمان الخشت أكثر من مرة عن رؤيته لوضع الجامعة المصرية الأم ضمن «جامعات الجيل الثالث»، مؤكداً أن الخطة الاستراتيجية للجامعة التى تم تحديثها مؤخراً، تهدف إلى خدمة الاقتصاد ومشروعات الدولة التنموية. وغنىٌ عن البيان أن الدكتور الخشت تم اختياره فى ظل التعديل الذى حدث فى عام 2014م على قانون تنظيم الجامعات، الذى جعل اختيار رئيس الجامعة بقرار من رئيس الجمهورية بناء على توصية من اللجنة المختصة لاختيار القيادات الجامعية. وينبغى على كل من يتقدم بأوراق ترشيحه إلى هذه اللجنة أن يرفق تصوراً لخطة تطوير الجامعة. ويبدو أن «جامعة الجيل الثالث» كانت محور تصوّر الدكتور الخشت لتطوير جامعة القاهرة. ويبدو سائغاً القول إن هذه الخطة قد صادفت قبولاً لدى الدولة المصرية، الأمر الذى قاد إلى صدور القرار الجمهورى بتعيينه رئيساً للجامعة المصرية الأم. وقد كان المأمول أن يتم الإفصاح عن هذه الخطة بحيث تكون تحت بصر كل أعضاء هيئات التدريس بكليات الجامعة المختلفة، باعتبارهم شركاء فى تنفيذ هذه الخطة وتجسيدها على أرض الواقع. كذلك نعتقد من الملائم أن يتم تكليف كل كلية بعرض خطتها الفرعية لتنفيذ خطة الجامعة فى هذا الصدد. ويمكن استحداث مؤشر يتم من خلاله قياس مدى تقدم الجامعة فى تنفيذ هذه الخطة، وترتيب الكليات والمعاهد التابعة لها فى درجة التحول إلى جامعات الجيل الثالث.
وتجدر الإشارة إلى أن «جامعة الجيل الثالث» لا تقوم على التدريس والبحث العلمى فقط، ولكن تعتمد على تحويل الجامعة إلى حاضنة للإنتاج والاستثمار التقنى. ويرجع الفضل فى ظهور هذا المصطلح إلى البروفيسور الهولندى (J. G. Wissema)، الذى أصدر كتاباً عام 2009م تحت عنوان (Towards the Third Generation University)، وترجمته بالعربية هى «الطريق إلى جامعة الجيل الثالث». وهذا الكتاب متاح على محرك البحث «جوجل»، ويمكن لأى مهتم بالموضوع تنزيله مجاناً والاطلاع عليه، ويقع فى 270 صفحة. وفى هذا الكتاب، يتحدث المؤلف عن التطور التاريخى للجامعات، بدءاً بالجيل الأول الذى ظهر فى العصور الوسطى، معتبراً أن هذه الجامعات انبثقت عن مدارس الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية من أجل الدفاع عن الحقيقة، ومن ثم قامت بتأسيس معاهد للتعليم المنظم تهدف إلى نقل المعرفة كما تراها. وقد مر هذا النموذج من الجامعات بفترة انتقالية خلال عصر التنوير الذى شهدته أوروبا، ما أثر بشكل رئيسى فى رسالتها التى ارتقت من نقل المعرفة إلى اكتشاف معارف جديدة، ثم ينتقل الكاتب بعد ذلك إلى الجيل الثانى من الجامعات، معتبراً أن هذا النموذج قد أدخل البحث كعنصر إضافى للتدريس من أجل اكتشاف الطبيعة كهدف أساسى، وكرّس أخذ القوانين العلمية بعين الاعتبار فى الإنتاج الفكرى. ورغم أن معظم الجامعات فى العالم حالياً يمكن إدراجها ضمن هذا النموذج، فإن مجموعة من العوامل تقود لظهور «جامعة الجيل الثالث»، حيث يتميز هذا النموذج الجديد باعتماده الأساسى على استثمار المعرفة الكيفية من خلال الحاضنات التقنية وما شابه، دون الاكتفاء بالتدريس والبحث العلمى.
ويبدو واضحاً من العرض السابق أن تركيز البروفيسور (Wissema) ينصب على الكليات العملية دون غيرها. ونعتقد أن بالإمكان تطوير الفكرة من خلال عقد حلقات النقاش حولها والنظر فى إمكانية تطويرها وتعميمها، بحيث تصبح أساساً لتطوير العملية التعليمية بوجه عام، ومنطلقاً نحو ربط الجامعات بالمجتمع فعلاً وعملاً، والله من وراء القصد.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع