بقلم - أحمد عبد الظاهر
فى بداية شهر أغسطس 2022م، ذكرت وسائل الإعلام المصرية والعربية أن مصطفى فتحى، لاعب نادى التعاون السعودى، لم يتمكن من الوجود فى معسكر الفريق الذى أقيم آنذاك بمدينة ميرلو الهولندية، واختتم فى السادس عشر من أغسطس 2022م، وذلك بسبب منعه من مغادرة مطار القاهرة الدولى، لاشتراطات متعلقة بالخدمة العسكرية. وأشارت وسائل الإعلام إلى أن إدارة نادى التعاون تبحث عن مخرج من هذا المأزق الخاص باللاعب فى بلاده، حتى يُكمل مدة العقد النظامية التى وقَّعها مع النادى فى شتاء العام 2021م لمدة موسمين ونصف الموسم قادماً من نادى الزمالك.
وقد تزامن غياب مصطفى فتحى عن تدريبات فريقه مع أنباء متواترة عن ارتباط اللاعب بالاتفاق مع النادى الأهلى، علماً بأنه وقت حدوث الواقعة سالفة الذكر لا يزال يتبقى للزمالك 400 ألف دولار عبارة عن الدفعة الثالثة من صفقة انتقال مصطفى فتحى، وهى المستحقات التى تشكلت فى ثلاث دفعات، دفع منها نادى التعاون اثنتين وتبقت واحدة. وتثير هذه الواقعة التساؤل عما إذا كان يجوز فسخ العقد المبرم بين اللاعب والنادى بسبب التزام اللاعب بأداء الخدمة العسكرية، وما إذا كان ذلك يشكل سبباً وجيهاً لإنهاء العقد طبقاً لأحكام لائحة «فيفا» بشأن أوضاع اللاعبين وانتقالاتهم. وللإجابة عن هذا التساؤل، تجدر الإشارة إلى أن المادة الثالثة عشرة من اللائحة تقرر مبدأ احترام العلاقة التعاقدية أو احترام العقد، بنصها على أن «لا ينتهى العقد بين اللاعب المحترف والنادى إلا بانقضاء مدة العقد أو بناء على اتفاق بالتراضى».
وهكذا، تعكس هذه المادة المبدأ الأساسى والقاعدة الأساسية الحاكمة للعلاقات التعاقدية، وهى وجوب احترام العقود، أو ما يعبر عنه بعبارة «العقد شريعة المتعاقدين». فكما هو الشأن فى أى عقد آخر محدد المدة، ينتهى العقد بين اللاعب المحترف والنادى بشكل طبيعى بانقضاء مدته، وبعده يصبح كلا الطرفين فى حل من أى التزامات تعاقدية (بافتراض استيفاء كل الالتزامات عند تلك المرحلة) تجاه بعضهما البعض، ما لم يتفقا على مواصلة علاقتهما التعاقدية بتوقيع عقد جديد. غير أن الطرفين قد يقرران إنهاء علاقتهما التعاقدية قبل الأوان بناء على اتفاق متبادل، أى قبل انتهاء مدة العقد. من الواضح أن مثل هذا الإجراء مسموح به وهو فى الواقع شرط مسبق أساسى لأى انتقال للاعب المحترف الذى يكون ما يزال مُلزماً بعقد، فضلاً عن اتفاق الناديين المعنيين، وموافقة اللاعب على توقيع عقد مع ناديه الجديد.
وعندما ينتقل اللاعب إلى نادٍ جديد قبل نهاية عقده، يتم عادةً دفع بدل الانتقال، ويكون عادةً فى شكل رسوم انتقال. وبطبيعة الحال، فإن أى معاملة من هذا القبيل تقتضى اتفاقية ثلاثية. وفى الأساس، يتم دفع بدل الانتقال فى مقابل إعفاء النادى السابق للاعب من واجباته وقبول الإنهاء المبكر للعقد ذى الصلة الملزم للاعب. وكما جرت العادة فى هذا الشأن، فإن النادى الجديد للاعب هو الذى يقوم بدفع بدل الانتقال. وبالإضافة إلى إنهاء العقد بالتراضى، فإن المادة الرابعة عشرة من اللائحة تجيز إنهاء العقد من طرف واحد، بناء على سبب وجيه.
إذ تنص هذه المادة على أنه:
1. فى حال وجود سبب وجيه، يجـوز لأى طرف من طرفى العقد إنهاءه من دون أن تترتب على ذلك أى عواقب (دفع تعويض أو فرض عقوبات رياضية).
2. أى سلوك تعسفى من قبل طرف بغرض إجبار الطرف المقابل على إنهاء أو تغيير شروط العقد يخول ذلك الطرف المقابل (لاعب أو نادٍ) إنهاء العقد لسبب وجيه.
وهكذا، وبوجه عام، لا يجوز إنهاء العقد قبل انتهاء المدة المتفق عليها، إلا إذا كان هناك سبب وجيه للقيام بذلك. ولكن، وفيما يتعلق بتحديد ما إذا كان السبب وجيهاً أم لا، لا تقدم اللائحة قائمة محددة تتضمن كل «الأسباب الوجيهة»، ذلك أنه يستحيل الإحاطة بكل السلوكيات المحتملة التى يمكن اعتبارها سبباً وجيهاً للإنهاء المبكر، ومن جانب واحد، للعقد المبرم بين اللاعب المحترف والنادى. وعلى مر السنين، أتى الفقه القانونى بالعديد من المعايير التى تحدد، بعبارات مجردة، أى مجموعة من الظروف التى ينبغى اعتبارها أسباباً وجيهة. ويمكن القول إن القوة القاهرة يمكن أن تكون سبباً وجيهاً لإنهاء العقد بالإرادة المنفردة.
ويثير ذلك التساؤل عما إذا كان الالتزام بأداء الخدمة العسكرية يمكن أن يشكل نوعاً من القوة القاهرة. وفى الإجابة عن هذا التساؤل، نرى أن الالتحاق بالخدمة العسكرية الإجبارية لا يُعتبر سبباً عادلاً أو مشروعاً لفسخ العقود قبل انتهاء مدتها. إذ إن مثل هذا الظرف لا يشكل قوة قاهرة (Force majeure)، ولا يؤدى إلى استحالة تنفيذ العقد (impossibility of performance) المنصوص عليها بالمادة 119 من قانون الالتزامات السويسرى. إذ إن الخدمة العسكرية حدث متوقع الحدوث ومعروف لدى الجميع، وبالتالى كان يجب على اللاعب إخبار النادى بهذا الأمر قبل التوقيع، وأيضاً كان على النادى أن يتحقق مع جميع المعلومات المقدمة من اللاعب قبل التوقيع (due diligence).
وبالتالى، ستبحث «فيفا» الظروف المحيطة بالواقعة بكل عناية، لتحديد الطرف المخالف أو المُقصر، والذى سيتحمل جميع التبعات القانونية المالية والعقوبات الرياضية الناتجة عن هذا الانتهاك وفقاً لما نصت عليه المادة السابعة عشرة من لائحة «فيفا». وفى حالة ثبوت مخالفة اللاعب أو توقيعه مع نادٍ آخر دون الوصول إلى تسوية مع ناديه، سيتهم النادى الجديد بالتحريض ويتحمل جميع التبعات القانونية الواردة فى المادة السابعة عشرة من لائحة «فيفا» بشأن أوضاع اللاعبين وانتقالاتهم، سواء كانت تعويضات مالية أو عقوبات رياضية. وجدير بالذكر أن مثل هذه الواقعة حدثت من قبل مع اللاعب محمود عبدالرازق شيكابالا عندما كان لاعباً فى نادى باوك اليونانى، حيث قام النادى بتقديم شكوى ضد اللاعب المنتهك لعقده بسبب التحاقه بالخدمة العسكرية الإجبارية، وصدر حكم ضده وتعويض النادى المضرور عن جميع الأضرار التى حدثت له بسبب هذا الفعل.