بقلم : حسن المستكاوي
** قبل لحظات من بداية مباراة كراوتيا وإنجلترا رفع بعض مشجعى المنتخب الكرواتى لافتة مكتوب عليها: «ننصحكم الهدوء. إنها ليست عائدة إلى البيت».. وكانت الكلمات رسالة يردون بها على مقولة أن كأس العالم أو كرة القدم عائدة إلى بيتها فى إنجلترا باعتبار أن الإنجليز هم من اخترعوا اللعبة فى عصرها الحديث وهذبوها وطوروها.
** سيعود منتخب إنجلترا إلى البيت، إلى الوطن، وستبقى كرة القدم وكأس العالم خارج بريطانيا.. لكن فى الحقيقة أنه منذ 52 عاما لم يكن منتخب إنجلترا قريبا من المباراة النهائية لكأس العالم مثل هذه المرة.. وقد كاد يلمس مجد اللعب فى النهائى حين تقدم فى الشوط الأول وحين أهدر العديد من فرص التهديف فى حالة سيطرة شبه كاملة على مجريات اللعب، إلا أن منتخب كرواتيا استيقظ فى الشوط الثانى واستدعى شخصيته القوية، وتعادل ثم فاز فى الوقت الإضافى.
** قدم منتخب إنجلترا أمام كرواتيا أفضل مبارياته فى مونديال روسيا.. ومع أن النهاية كانت مؤلمة للغاية، إلا أن الفريق رسم الابتسامة على وجوه مشجعيه من خلال مبارياته فى البطولة، وجعل جمهوره يفخر به، ويؤمن بأن المقبل أفضل، وصحيح أن أنصار المنتخب الإنجليزى عاشوا ليلة من العذاب عقب المباراة، لكنهم استيقظوا على أمل، وعلى بداية جديدة لشىء ما فى الكرة الإنجليزية. فالفريق لم يعد يلعب تلك الكرة المملة والبطيئة والتقليدية.. وهذا من أهم ماربحه الإنجليز فى روسيا.. لقد تخلص المنتخب من عيوبه القديمة وأصبح شابا، وأصبحت كرته أكثر حداثة. ولم تعد هى نفسها كرة الجزيرة القديمة المعزولة بمحيطها وبعزها وبغرورها، فاقتربت أخيرا كرة المنتخب الإنجليزى من مجاراة كرة العالم !
** دون شك لقد نجح المدير الفنى جاريث ساوثجيت فى تطوير وتنمية أداء المنتخب، وهو كان تولى تدريب منتخب الشباب تحت 21 عاما، وكان على رأس حملة اطلقت فى 2014 لإحداث ثورة كروية، وأعلن الاتحاد الإنجليزى لكرة القدم أيامها أنه يخطط للفوز بكأس العالم فى عام 2022.. وقال مات كروكر رئيس تطوير اللاعبين والمدربين باتحاد الكرة الإنجليزى أن القاعدة الأساسية التى ىيعملون عليها مع المنتخبات تتضمن ستة بنود أساسية لتسهيل نشر الفلسفة المختارة للعبة وللمنتخبات بين اللاعبين.. ولأن الصحافة والنقاد والخبراء والمحللون هناك يهتمون بالمستوى، وبالأداء، أجمعت الصحف الإنجليزية على تحية الفريق ولاعبيه ومدربهم على الرغم من حالة الإنكسار التى أصابت مجتمع الكرة الإنجليزية..
** من المعروف أن منتخب إنجلترا للشباب تحت 20 سنة فاز بكأس العالم العام الماضى فى كوريا الجنوبية، وهو إنجاز يسجله الإنجليز لأول مرة. وبمراجعة تجارب الدول التى تعثرت فى فترات محددة، ثم نهضت على مستوى المنتخبات مثل ألمانيا فى كأس أوروبا عام 2000، وبلجيكا منذ عشر سنوات، وإنجلترا منذ مائة عام سنجد أن كل خطط النهضة بدأت من قاعدة الشباب، والناشئين، ومن الاهتمام بالمدربين، وبوضع فلسفة تناسب قدرات ومواهب اللاعب، وكل خطة عمرها لا يقل عن عشر سنوات.. ولعل ذلك يكون درسا مهما ضمن دروس كرة القدم التى يطرحها علينا العالم باستمرار ولا نهتم بها باستمرار أيضا!.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع