بقلم: حسن المستكاوي
** نحن أمام مزيج فريد، لا نراه فى كل الدول. إذ تختلط المشاعر الوطنية بالمشاعر الفردية والإنسانية فى مواجهة الفيروس الضئيل الخسيس. وانظر إلى رد فعل الناس فى البلكونات عندما عزفت سيارات سارت فى الشوارع والميادين نشيد: «يا أغلى اسم فى الوجود» فى محاولة راقية لرفع معنويات الناس. والمدهش أن الدموع تنهمر أمام كلمات هذا النشيد، كأن مصر كائن حى ينبض، وأولادها يخشون عليها بقدر ما يخشون على أنفسهم من هذا المرض. هو مزيج فريد. تجده عند شعوب تربت على المشاعر الوطنية وهى المشاعر التى تنفجر فى الأزمات وفى أوقات الحروب. كما حدث فى الإمارات العربية على سبيل المثال عندما ردد المقيمون فى الدولة نشيدها الوطنى حبا وامتنانا للأرض التى تستضيفهم. وهى ردود فعل تستحق أن نتوقف عندها. فنحن فى وقت حرب عظمى شديدة الألم وشديدة الخطر وشديدة النتائج..
** أداء الحكومة المصرية فى مواجهة تلك الحرب، هو أداء منظم، وهادئ، وعلمى بقدر إمكانات الدولة. وأكرر أن علينا جميعا أن ندرك ما نملك. فمصر ليست أمريكا ولا كوريا ولا أوروبا. ولكنها تتعامل بقدر ما تملك من قدرات وإمكانات. وتمضى بنجاح فى حربها مع عدو شرس للغاية. وخبيث للغاية. وأخطر من القنابل والمدافع والدبابات والطائرات. فتلك نراها. وتراها الجيوش التى تقاتلها لكن كورونا عدو خفى لا تعرف كيف تمسك به، ولذلك يحاربه العالم الآن، كل العالم، بالدفاع. بدخول شرنقة العزل. وعلى الرغم من تصريح مدير منظمة الصحة العالمية قبل أيام: يجب أن نتخلى عن الدفاع وعلينا الهجوم. لم أفهم بعد كيف نهاجم هذا العدو.
** الحكومة تعاملت مع الوباء بهدوء وحكمة وحرص وبعدم تهوين وعدم تهويل. اللغة لم تكن مفزعة. وربما تحتاج لنبرة قوة فى التصريحات، توحى بقوة الدولة، وبقوة الإجراءات. فقد استخف البعض بالمرض. وما زال. واستخفت قرية بالمرض وعارضت الحجر الصحى أو العزل الصحى. وتطلب الأمر تدخلات من المحافظ ومن الأمن لإقناع القرية بأهمية الأمر..
** خطاب الدولة متزن. لكنه يحتاج لنبرة قوة أحيانا. لعل احترام الخطر ينتقل ويصل إلى كل الناس.. ومن المهم أن يكون هناك كل يوم تقرير حكومى مختصر، يلقيه مجموعة من خلية الأزمة (وزيرة الصحة، وزيرالدولة للإعلام، ممثل لوزير الداخلية، وممثل لوزير الدفاع ومستشار الرئيس للشئون الصحية). مع الوضع فى الاعتبار للحاجة لظهور رئيس الوزراء فى بعض الأحيان. وهذا التقرير ليس مؤتمرا صحفيا وإنما ملخص للموقف. ورؤية للمستقبل..
** مداخلات الوزراء ليست ضرورية. ولا يجب أن تكون بمثل تلك الصورة التى نراها فى البرامج. وإنما دورالوزراء فى هذا التقرير اليومى. وبالطبع الإعلام جزء أساسى من خطاب الدولة.. وهو يبذل جهدا عظيما. وأراه جزءا مهما من معركة الدولة ضد الوباء. لكن نحن نحتاج إلى تغيير قليل. لأنه لم يعد مهما الآن دور المذيع البطل الذى يتكلم كثيرا ويخاطب الناس. دون معلومات. ولا أسانيد علمية، وحتى لو كان عالما فإنه لن يكون مقنعا مثل العالم الطبيب.. كذلك دور المذيع المحاضر الذى يلقى بيانا أو محاضرة على التلاميذ، الذين هم نحن، الشعب، لم يعد مطلوبا. والمعادلة الصعبة فى الأداء هى إعلام معلومات، وعلمى بمساندة أطباء. وبرؤى مستقبلية تخبرنا إلى أين نسير.. خاصة أن مقالات فى كبريات الصحف العالمية بأقلام مفكرين وسياسيين وأطباء وخبراء اقتصاد يقولون إن العالم لن يعود كما كان قبل كورونا..
** نحن فى حرب شرسة. نحن العالم. وأصفق لقرار الرئيس بإرسال وزيرة الصحة إلى الصين وإلى إيطاليا. فما حملته الطائرات يعد رمزيا قياسا بحاجتنا كمصريين، فلن ينتقص من قدرتنا. ورمزيا جدا لحاجة الصين وإيطاليا ولن يزيد من قدرتهم. لكن المعنى وحده يزن آلاف الأطنان من الصداقة والوعى والتعاون والرؤية السياسية والإنسانية..
** تحيا مصر..