بقلم: حسن المستكاوي
** خلال دورات الألعاب الأوليمبية تحظى منافسات السباحة والجمباز وألعاب القوى بأعلى نسب المشاهدة والمتابعة، وأذكر أنه أثناء حضورى دورة ألعاب أثينا الأوليمبية عام 2004، التى أحرزنا بها خمس ميداليات، لم أحضر ولم أشاهد مباراة واحدة لكرة القدم، وإنما أخذت أتنقل بين أحواض السباحة والملاعب والصالات مأخوذا بأبطال وبطلات يتحدون المسافة والزمن والوزن، ويستعرضون قدراتهم البشرية. لكن قبل ذلك بسنوات كان اسم بطل القفز بالزانة سيرجى بوبكا مصاحبا لقافلة أبطال التاريخ الذين أحتفظ بهم فى ذاكرتى. فهو أول إنسان يتخطى حاجز الستة أمتار، كأنه أول إنسان يطأ بقدميه سطح القمر. وكنت منذ الطفولة أحضر بطولة الجمهورية لألعاب القوى على الأضواء الكاشفة باستاد مختار التتش فى الأهلى وسط 20 ألفا من المشجعين فى زمن كانت فيه ثقافة الرياضة عامة وهواية، متابعا نجوم وأبطال عرفتهم بصفة شخصية بحكم صداقات لهم مع العائلة مثل عماد الشافعى رحمه الله، بطل القفز بالزانة، وهى اللعبة التى كانت تنتزع آهات المشاهدين أثناء تخطى الحاجز، أو تخرج منهم أهات الأسف إذا ارتطم القافز بالحاجز كأنها صوت موسيقى تصويرية!
** عادت بى الذاكرة إلى زمن الرياضة الجميل، بعد خبر سقوط الرقم العالمى للقفز بالزانة المسجل بإسم الإسطورة الأوكرانى سيرجى بوبكا قبل 26 عاما، وقد توارى الخبر العالمى بجوار هزيمة فريق التعاون السعودى بستة أهداف فى دورى أبطال أسيا لمجرد أن مدربه هو كارتيرون المدرب السابق للزمالك!
** فى العاصمة الإيطالية روما نجح السويدى أرماند دوبلانتيس البالغ من العمر 20 عاما فى تسجيل 6.15 متر فى الملاعب المفتوحة. ليحطم رقم بوبكا 6.14 متر الذى سجله فى سيستريرى بإيطاليا. لكن واقعيا الرقم العالمى الأن للقفز بالزانة مسجل باسم دوبلانتيس وقدره 6.18 متر فى فبراير هذا العام وكان سجله داخل الصالات، متخطيا رقم الفرنسى رينو لافيينيه الذى سجله فى 2014، حين سجل دوبلانتيس 17ر6 متر حيث لم يعد الاتحاد الدولى يخصص رقما عالميا للصالات وأخر للملاعب المفتوحة منذ عام 1998.
** المهم ماذا قال بوبكا، وماهو رد فعله لسقوط رقمه العالمى التاريخى؟ قال بوبكا: «أهنئك على كسر الرقم القياسى نتيجة مذهلة وأنا سعيد لرياضة ألعاب القوى والرياضة بشكل عام لوجود نجم ساطع فى السنوات المقبلة».. لم يشكك، ولم يغضب، ولم يبرر. فقط كان سعيدا بإنجاز بشرى. فهكذا هى الرياضة، وليس كما نرى فى أحيان، حيث يظن أبطال أو لاعبين أنهم أبطال الماضى والحاضر والمستقبل. ولا لاعب غيرهم حتى لو سجل أرقاما أو أهدافا تشهد على تفوقه!
** فى تقريرها، تقول وكالة الأنباء الألمانية التى اهتمت بهذا الإنجاز: «من المتوقع أن يهيمن دوبلانتيس، نجل اللاعب الأمريكى للقفز بالزانة السابق ولاعبة السباعى السويديه (وهما أيضا مدرباه)، على الدورى الماسى بنفس الطريقة التى هيمن بها بوبكا لعدة سنوات. وبعدما بدأ دوبلانتيس القفز بالزانة فى فناء منزله الخلفى عندما كان صبيا، صعد للنجومية فى بطولة أوروبا فى 2018 عندما حطم رقمه القياسى الشخصى بمقدار 12 سنتيمترا مسجلا 05ر6 متر.
ولكن فى بطولة العالم لعام 2019 تغلب عليه الأمريكى سام كيندريكس ليتوج بلقب العالم فى، ومع ذلك قال كيندريكس: «الأرقام القياسية ستنتمى إلى دوبلانتيس».. وهذا التصريح فى حد ذاته بالنسبة لى شيئا عظيما. نعم أنه لشىء عظيم أن يعترف بطل الحاضر ببطل المستقبل. شىء عظيم أن يرى إنسان سجل إنجازا أن هناك إنسان آخر منه قادر على تحقيق إنجاز أفضل.. !