بقلم: حسن المستكاوي
** حظيت كرة القدم بشعبية عالمية جارفة لأسباب تتعلق بطبيعتها وكيفية ممارستها، وسهولة قوانينها. فالطويل يلعبها والقصير يلعبها، ويمكن أن يلعبها اثنان فى بلكونة أو ثلاثة فى شارع، أو عشرين فى ملعب. وهى لا تحتاج إلى أدوات خاصة لممارستها مثل مضرب التنس والأرض الممهدة. ومثل حجرة كما فى الإسكواش، ومثل حوض سباحة بمواصفات خاصة. أو مثل نهر للتجديف. أو دراجة. أو قفاز للملاكمة. أو قوة بدنية كما فى المصارعة. أو شبكة كما فى الكرة الطائرة. وحظيت كرة القدم بشعبية جارفة عالمية لأن نتائجها لا يمكن توقعها، ولأن كل هجوم يشنه فريق ضد فريق لا تعرف أبدا كيف ينتهى؟ فهل يسفر عن هدف أم لا يسفر عن هدف. وهذا الشك من صميم وجوهر شعبيتها..
** الأمر يطول شرحه فى تفسير شعبية كرة القدم.. لكن قاعدة الممارسين لأى لعبة من عوامل شعبيتها. فحين يكون مسجلا فى الاتحاد الألمانى للسباحة 15 مليون سباح، فمن الطبيعى أن تنتشر الرياضة. وحين يكون فى أمريكا أكثر من 20 مليون لاعب تنس، فمن المنطقى أن تصدر مجلة للتنس وتصبح مقروءة ومطلوبة. بل إن عدد لاعبى كرة القدم المسجلين فى الصين والسعودية واليابان يساوى أضعاف لاعبى كرة القدم المسجلين فى مصر وبالتالى لكى تنتشر لعبة فى مصر فإن ذلك يرتبط باتساع قاعدة الممارسة، فإصدار مجلة تنس أو مصارعة مثلا يعنى أن صفحاتها تتحول إلى قراطيس لب أو سودانى.. إلا أن انتشار لعبة ما يرتبط بعوامل أخرى.
** تولد شعبية اللعبة الرياضية من بطن البطولات والقدوة، وفى سياق مشهد كامل يجذب أنظار الصغار.. والمشهد الكامل هو ملعب الممارسة ورونقه، وسهولة الممارسة، والبطل الذى يمثل القدوة. وفى وقت من الأوقات كان كثير من أبناء الطبقة الوسطى والطبقة العليا الثرية فى مصر يحلمون بممارسة التنس بسبب إسماعيل الشافعى، الذى كان نجما فى زمنه، بمهارته وبتألقه فى البطولة الدولية التى تقام سنويا فى نادى الجزيرة وكان الملعب الرئيسى أيامها يحتشد بالآلاف من أجله. وبالمثل حين بدأت بطولة الأهرام الدولية للإسكواش تحت سفح الأهرامات، وبفكرة من الزميل إبراهيم حجازى، بدأ الصغار من المصريين بممارسة اللعبة تيمنا بأحمد براده، وبموقع البطولة وبنقلها تليفزيونيا، مع أن مصر لها تاريخ من البطولات والأبطال فى الإسكواش يعود إلى عبدالفتاح باشا عمرو سفيرنا فى لندن فى الفترة من 1930 إلى 1936 من القرن الماضى.. وتبعه عشرات الأبطال، إلا أن النقل التليفزيونى لبطولة الأهرام الدولية نقل اللعبة بمشهدها وأحداثها إلى عيون وعقول وقلوب الصغار..
** المؤسف أن الإعلام لا يتصدى مثلا لتغطية بطولة الجمهورية لألعاب القوى. ولذلك هو متهم بالتقصير لأنه لا يسعى لتعريف الشباب والصغار بمهاراتها وقوانينها، وأوجه الجمال فى ممارستها. وهو ما يسرى على بطولات السباحة وألعاب الماء، والألعاب الجماعية، كرة اليد والطائرة والسلة.. فقد أكلت كرة القدم كل المساحات الإعلامية المتاحة على الأوراق أو على الشاشات.. لكن يظل البطل وتظل البطولة من أهم أسباب زراعة شعبية رياضة فى نفوس الصغار.. ثم اتساع قاعدة الممارسين، بتوافر اللاعب والساحات والمساحات، ثم بالتغطيات الإعلامية للبطولات والأبطال حتى لو كان ذلك على المستوى المحلى.
** هناك تقصير إعلامى بالغ بالتأكيد.. فحين تكون البذاءات والتفاهات والمعارك والخناقات والتجاوزات، والنميمة.. هى الأخبار الرياضية فهذا ليس إعلاما رياضيا، وحين تكون تغذية الاحتقان بين الجماهير بإعلاميين مشجعين تحركهم الانتماءات ولا يعرفون شيئا عن قيم الرياضة فهذا ليس إعلاما رياضيا.. !