بقلم: حسن المستكاوي
السؤال الخطأ: لماذا خسر الفريق الكتالونى؟
السؤال الصحيح: كيف فاز الفريق الألمانى؟
السؤال القديم: هل يمكن أن يلعب فريق مثل برشلونة؟!
** بينما كان جوزيب بارتيميو رئيس برشلونة يقف أمام صحفيين ويقول: «عشنا الليلة كارثة». فى تلك اللحظة أخذ مجموعة من جمهور الفريق يهتفون ويصرخون يدخلون فندق إقامتهم فى لشبونة: «أيها الأوغاد أذلتونا». وفى الوقت نفسه خرجت أنباء تفيد بإقالة كيكى سيتين من تدريب الفريق. لم تنتظر إدارة النادى الكتالونى لحين العودة إلى برشلونة. الأمر لم يكن يحتمل..!
** ما سبق هو جزء من رد فعل بسيط للهزيمة التاريخية التى مُنى بها الفريق الذى بهر عالم كرة القدم طوال سنوات. فعقب المباراة كان ميسى يعتذر. وكان محللون يرون أن عليه أن يرحل عن الفريق أو يعتزل. وكان بيكيه يقول إن برشلونة عليه أن يسرع فى بناء جيل جديد ولو كنت أحد الذين عليهم الرحيل فسوف أرحل..!
** هذه ردود فعل.. لكن ماذا عن الفريق الرائع والمدهش الذى وضع الملح على جرح برشلونة؟ ماذا عن بايرن ميونيخ؟ لماذا يبحث الخبراء فى أسباب ضعف برشلونة وأسباب هزيمته التاريخية.. دون البحث عن أسباب قوة بايرن ميونيخ وأسباب انتصاره التاريخى؟!
** قبل سنوات، وربما منذ مطلع القرن الحادى والعشرين، كان عالم كرة القدم يرى أن أى فريق يحاول لعب كرة القدم مثل برشلونة، فإنه لن يستطيع أبدا. وحتى عندما تولى بيب جوارديولا تدريب بايرن ميونيخ، رأى هؤلاء الخبراء أنه لن يلعب كما يلعب برشلونة. لكن ثبت أنها مجرد نظرية غير عملية. فقد لعب بايرن ميونيخ كما لعب برشلونة فى دورى الأبطال وسجل 8 أهداف. وفى الواقع هو فى المضمون الأكثر عمقا، هو ما يبدو أنها نهاية حقبة إسبانية، فى الكرة الأوروبية، بخروج ريال مدريد وبرشلونة، وتأهل فريقين لأول مرة إلى الدور قبل النهائى وهما يقتربان من لعب أحدهما النهائى، باريس سان جيرمان ولايبزج الذى تأسس عام 2009 وصعد من الدرجة الرابعة فى الدورى الألمانى إلى دور الأربعة فى دورى الأبطال هذا العام.
** قدم بايرن ميونيخ عرضا جماعيا ممتازا. وبهذا الأداء حاصر ميسى وحيده وأخرجه من المباراة مبكرا. فالفريق يضغط بقوة على لاعبى برشلونة. وهو ضغط عملى وحقيقى وليس مجرد هرولة فارغة لم يترك الفريق الألماني أي مساحات لمنافسه.
كان بايرن ميونخ يدافع عن مرماه من أبعد نقطة ممكنه، وكان يهاجم مرمى برشلونة من أبعد نقطة ممكنه، والمدهش أن بايرن فعل ذلك بانتشار عرضي من الخط إلى الخط بتناغم رائع. وكل لاعبيه ينقضون بقوة وليس بعنف على الخصم. وربما لا يضم بايرن ميونيخ لاعبا مثل ميسى، لكنه يتكون من فريق مثل برشلونة فى أيام مجده وزهوته. فقد حقق بايرن واحدة من أصعب معادلات كرة القدم الجديدة: «يلعب بشراسة دون عنف، ويمزج الشراسة بالتركيز والهدوء والسرعات والرشاقة والخفة واللياقة البدنية الفائقة». ولعب البايرن متسلحا بالعقلية والفلسفة الألمانية، فلا تساهل ولا تراجع، ولا تهدئة، كلما تقدم الفريق. وإنما نلعب بمنتهى القوة للنهاية، كما أن الاستعراض والتراخى يمثل إهانة للخصم ترفضها العقلية الألمانية. إنها نفس العقلية التى هزمت البرازيل فى عام 2014 بسبعة أهداف، فى كأس العالم، وصدرت لبلاد السامبا شبحا ليقيم فى بلو هوريزونتى تماما كما كانت أوروجواى عام 1950 هزمت البرازيل فى نهائى المونديال باستاد ماراكانا فجعلت الملعب العملاق فخر الكرة البرازيلية مسكنا لشبح أقام داخله لعقود بقدر ما أقام فى عقول البرازيليين!
** أهداف بايرن كانت جميعها من إنتاج أداء جماعى. فلا لعب فردى. تقدم بهدف سجله توماس مولر، وأضاف إيفان بيريسيتش الهدف وأحرز سيرج نابرى الهدف الثالث وسجل مولر الهدف الثانى له والرابع لبايرن. ثم سجل جوشو كيميتش الهدف الخامس وأضاف روبرت ليفاندوفسكى الهدف السادس قبل أن يحرز فيليب كوتينيو الهدفين السابع والثامن.
** لن يكون التاريخ لطيفا أو طيبا مع الأشخاص الذين يتخذون القرارات فى كامب نو. إنهم لا يستحقون سوى الازدراء لإهدارهم موهبة ليونيل ميسى. لقد مرت خمس سنوات على آخر فوز لميسى بدورى أبطال أوروبا، ووصل إلى المرحلة التى قد يضطر فيها إلى القيام بما لا يمكن تصوره وترك برشلونة الذى أصابته الفوضى.. والفوضى أصابت جماهير الفريق الكتالونى بألم كبير، لأن الهزيمة بثمانية أهداف، كانت بالفعل بمثابة وضع ملح على الجروح. ففى العام الماضى قلب ليفربول تأخره 3ــ0 ليبلغ النهائى. لكن ما جرى فى لشبونة كان أسوأ. فقد لعب برشلونة بدون قلب وبدون حماس وبدون شجاعة، وبدون شخصية. وكانت قوة البايرن سببا فى ذلك، كما كان عقل سيتين والعقل الكهل للاعبين سببا فى ذلك.. لدرجة أن بايرن ميونيخ كان قادرا على تسجيل المزيد من الأهداف!
** الأخطاء التى وقعت فيها إدارة الكرة فى برشلونة كثيرة، وهذه الإدارة تضم الرئيس جوزيب بارتيميو والمدرب سيتين وكل من يعمل معه، ووافق على التحول من طريقة 4/3/3 إلى 4/4/2. بجانب عمليات شراء لاعبين غير مدروسة وغير منظمة، فلم يكن كوتينيو الرمز الوحيد المعيب لبرشلونة. وإنما كان هناك عثمان ديمبيلى، الذى تم شراؤه من بوروسيا دورتموند عندما انضم نيمار إلى باريس سان جيرمان قبل ثلاث سنوات، ولكنه جلس على مقاعد البدلاء ولم يكن هناك مكان فى التشكيلة الأساسية لأنطوان جريزمان، الذى فشل فى الاحتفاظ بمكان فى الهجوم منذ التوقيع من أتلتيكو مدريد العام الماضى.. وفى المقابل اعتمد المدرب على الحرس القديم من الحرس القديم. مثل لويس سواريز وسيرجيو بوسكيتس وجيرارد بيكيه فكان برشلونة بطيئا للغاية..
** إن القوة الذهنية هى التى سوف تحسم لقب دورى أبطال أوروبا هذا الموسم كما قال جوارديولا.. والقوة الذهنية يقصد بها المعادلة الأساسية فى الكرة الجديدة. وهى مزيج الشراسة والقوة البدنية والهدوء والسرعات واللياقة والأداء الجماعى.. وقد كان ذلك سر بايرن ميونيخ فى مواجهة برشلونة..