بقلم: حسن المستكاوي
** من السذاجة قياس أخلاق إدارات الدول بأخلاق البشر. وفى مثل هذا العالم تحكم المصالح بعيدا عن المنطق، والنزاهة، والشرف. ولأن الأخلاق فى الأساس يفترض أن تحكم سلوك البشر، فإننا نشعر بالحنق، وبالغضب، إزاء مناشدات الاتحاد الأوروبى أو توسلاته لتركيا كى ترفع يدها عن ليبيا. والاتحاد يناشد لأن الساحل الإفريقى للبحر الأبيض المتوسط يمثل خطرا على جنوب أوروبا، لكن هذا الاتحاد نفسه لا يهتز لحرب تركيا على الأكراد فى العراق، ولا يهتم باختراق الطائرات والمدرعات والدبابات التركية للسيادة العراقية والسورية، بينما جماعة حقوق الإنسان نائمة فى العسل، لكنها تنفعل لو سقطت ذبابة فى دولة عربية..
** أوروبا تناشد أطراف الأزمة فى ليبيا وأطراف الإقليم عدم التصعيد، وأمريكا تطلب التهدئة، وروسيا تقترح وقف إطلاق النار. وقطر تمول نقل السلاح، وتهريبه. وكلهم لا يرون أن تركيا نقلت آلاف المجرمين والمرتزقة والإرهابيين إلى ليبيا، ولا تنطق دولة واحدة، باسم تركيا التى يراها الجميع، ودول العالم صمتت حين قال أردوغان علنا ونصا: «الدواعش الذين حاربوا فى الرقة والشام سوف ندفع بهم إلى سيناء»..!
** أعرف السياسة. وأعرف كلام أهلها. وهم غالبا لا يقولون شيئا فى العلن. ومع ذلك أحلم بإجابات واضحة ومفهومة على بعض الأسئلة الموجهة إلى أمريكا وروسيا وألمانيا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا وإسبانيا وغيرهم:
** من جلب المرتزقة والمجرمين إلى ليبيا وفعل ذلك علنا؟
** من يبنى القواعد العسكرية فى ليبيا؟
** من يرسل السلاح على متن سفنه وطائراته نهارا وجهارا.. وصيغة السؤال مفهومة لكم؟
** من اعتدى على حق قبرص؟ ومن يحتل جزءا منها؟ ومن يفتش عن الغاز والبترول فى غير حدوده؟
** من حجب المياه عن شعبى سوريا والعراق ببناء سدى أتاتورك وأليسو؟
** إننى أتحدى أن ينطق رئيس أى دولة مذكورة علنا باسم تركيا أو أردوغان فى كل هذه الأعمال الشيطانية.. أتحدى. والاستثناء الوحيد هو فرنسا ورئيسها ماكرون الذى لم يختلف كثيرا عن سياسات بلاده المحتفظة بشخصيتها منذ عصر ديجول ولو كان هاجم أردوغان من أجل مصالح بلاده، فهو على الأقل يهاجم ويحاسب خصما من أجل فرنسا. أما الصمت الكامل من الجميع والمناشدات والتوسلات، فهذا كله له معنى واحد.. أنكم جميعا تلعبون بخيوط العروسة المارونيت من خلف الستار!
** على أى حال أردوغان خصم واضح. هو إخوانى يملك أربعة أصابع يرفعهم مصافحا أو مخاطبا أو ناصحا أو مستقبلا. وهو صاحب خيال عثمانى يرى فى أحلامه السلطان سليم الأول أو «غازى ياوز سلطان سليم «بالتركية، الذى يلقب بالقاطع أو الشجاع عند الأتراك، ويعرف بسليم العابس عند الإنجليز لتجهمه الدائم.
(سبحان الله نفس التجهم)!
** أردوغان العابس، خصم واضح، يكرهنا كمصريين، لأن مشروعه سقط بثورة 30 يونيو. وهو خصم سيئ. لكن الأسوأ منه هو هذا الخصم الآخر. الخصم الخسيس، والجبان، والخبيث الذى يراوغ، ويكذب، ويهرب، ويخدع، ويظن أنه ذكى بينما يرى الجميع الخيوط التى تحركه من وراء الستار، لأنه أتفه وأضعف من أن يمضى على قدميه إلى المواجهة..!
** أخلاق الدول لا تقاس بأخلاق البشر، حتى لو كان فى البشر خونة وعملاء وتجار دين.. لكنهم قلة لا يساوون شيئا!