بقلم: حسن المستكاوي
** ليس هذا مقالا عن جمعة التخفيضات السوداء، أو الجمعة البيضاء، أو تلك التى قيل عنها جمعة صفراء.. ولكنه حديث عن الصحافة وعنوانينها وفنونها المشروعة وجنونها أحيانا. إنه حديث عن عنوان «الجمعة السوداء» الذى تصدر صحيفة كوريرى ديللو سبورت الإيطالية قبل مباراة إنتر ميلان وروما فى الدورى ومع العنوان صورة تجمع بين البلجيكى روملو لوكاكو، والإنجليزى كريس سمولنج. واعتبر ذلك عنصرية فجة من جانب الصحيفة وطالبها الكثيرون بالاعتذار ولم تعتذر، وقالت فى تبرير العنوان بمقال لرئيس تحريرها ورد إيفان تاستارونى « إنه «عنوان برىء» وكان يقصد به «الإشادة».. وزاد رئيس تحرير كوريرى ديللو سبورت بقوله: «الجمعة السوداء، يرسخ فخر الاختلاف، وثراء الاختلاف، إذا لم تفهم ذلك، هذا بسبب عدم قدرتك أو عدم رغبتك».
** تبرير غير مقنع، وكذلك محاولات الصحيفة الدفاع عن نفسها بنشر موضوعات فى أعداد سابقة تحارب فيها العنصرية التى طغت فى الملاعب الإيطالية والأوروبية، فيما يشبه النزعات النازية القديمة، وهو الأمر الذى ترتب عليه اتخاذ عقوبات صارمة ضد أندية ولاعبين ومدربين.
** دون شك تقع الصحافة فى أخطاء بقدر ما تصيب وتدافع عن الحريات وتناصر الحقوق. وتبدع ايضا فى صياغات تعرضها برشاقة بأقلام محرريها. لكنها تقع فى مبالغات تدخل فى إطار السباق المحموم على جذب القارئ، ولفت انتباهه، وبيع السلعة، وهى الصحيفة.. تدخل أحيانا فى سباق محموم يضيع المعانى والحقائق، ويصيب المتلقى بالارتباك والدهشة، وربما فقدان الثقة.. سباق محموم بمانشيتات ساخنة غير دقيقة تهدر قيم البطولات والإنجازات الحقيقية، ويسلب الصحافة دورها التنويرى ودورها فى صياغة الرأى العام.. من أجل نسخة زائدة تباع فى الاسواق قبل نسخة المنافس.. فأصبحت المانشيتات الغريبة شكلا من اشكال الإبداع، ولو على حساب القيمة والمضمون..!
** فى مونديال 2006 بألمانيا وصفت صحف البرازيل نجم وهداف الفريق رونالدو بأنه «رجل ميت» حين فاز منتخب السامبا على كرواتيا بهدف للا شىء، وقالت فى مانشيتات: «هزمنا كرواتيا على الرغم من وجود رونالدو الميت».. ولكم أن تقرأوا ماذا قالت الصحافة، نفس الصحافة، عن رونالدو بعد أن حطم الرقم القياسى للألمانى جيرد موللر صاحب الـ 14 هدفا فى تاريخ المونديال، وهو الرقم الذى ظل صامدا منذ السبعينيات حتى تخطاه النجم البرازيلى فى ألمانيا.. لقد تغنت الصحافة البرازيلية بعبقرية رونالدو الذى كان ميتا منذ أيام، وهى معجزة أن يسترد لاعب الحياة بعد الموت.. وهى معجزة أكبر أن يكتب نفس القلم مثل هذا الكلام.
** وعندما خسرت إسبانيا أمام فرنسا فى دور الستة عشر فى البطولة نفسها تعاملت الصحافة الإسبانية مع الخسارة كما تعامل التاريخ مع معركة تحطيم إسطول الأرمادا الإسبانى أمام نظيره الإنجليزى منذ قرون.. فخرجت الصحف فى مدريد وهى تتحدث عن الخيبة، والفشل، والعار، والحرب التى هزمت فيها الكرة الإسبانية.
** أما أجمل تعبير لهزيمة ظالمة فى مونديال 2006 أيضا فكان عنوان صحيفة مورنينج هيرالد الأسترالية بعد هزيمة منتخب بلادها بركلة جزاء غير صحيحة أمام إيطاليا: وداعا أيها العالم الفظ..!
** لكن يظل عنوان الجمعة السوداء نقطة سوداء فى تاريخ الصحافة الإيطالية وتحديدا صحيفة كوريرى ديللو سبورت مهما دافع عنه رئيس تحريرها ومهما دافعت عنه كل الصحيفة بمانشيتات سابقة ضد العنصرية.. فقد كان عنوان الجمعة السوداء عنوانا عنصريا بالتأكيد!