بقلم: حسن المستكاوي
** البشرية تتحدى كوفيد 19.. كان ذلك هو شعورى الإنسانى، بعد نجاح الدورة المجمعة لدورى أبطال أوروبا فى لشبونة. وعلى الرغم من هول الجائحة، والرعب من انتشار هذا المرض الخسيس، قرر الإنسان أن يقاوم، ويحارب، بالحياة، والعمل، والبهجة. ولا يوجد نشاط إنسانى ينثر البهجة وينشرها مثل كرة القدم، بما فيها من دراما ومفاجآت، وكفاح ونضال وعمل جماعى، وروح إبداعية، وقيم ومثل عليا، ترسخ السلام والمحبة والإخاء.. نعم كل هذا فعلته اللعبة، وفعلته بطولة دورى أبطال أوروبا، وتفعله الألعاب الأوليمبية وكل الأحداث الرياضية..
** وأكثر من هذا.. هناك كم الإعجاب والتقدير للشعب الألمانى وللدولة الألمانية، التى منيت بهزيمة مفزعة فى الحروب لكنها نهضت، وأصبحت قوية، باقتصادها وبروح العمل الوثابة واللعب بجد. فهم يلعبون بجد ويستمتعون فيعملون بجد. والواقع أن بايرن ميونخ لم يفز فقط بالكأس، ولكنه حقق فوزا يفوق قيمة الكأس. وهو ازدياد شعبية الفريق. وهو لم يحظ منذ سنوات بمثل هذا التقدير بعد أن تابع العالم كله بجوع ونهم مباريات الدورة المجمعة، والانتصارات الرائعة التى حققها الفريق، مسجلا 43 هدفا فى 11 مباراة بمعدل 4 أهداف تقريبا لكل لقاء.. وحقق بايرن الثلاثية (دورى وكأس ألمانيا ودورى أبطال أوروبا) للمرة الثانية فى تاريخه بعدما توج بها فى 2013 تحت قيادة مدربه الأسبق يوب هاينكس كما أن بايرن لم يهزم فى آخر 30 مباراة خاضها منذ ديسمبر الماضى وحقق فيها 29 انتصارا مقابل تعادل واحد..
** هكذا كانت المباراة النهائية بين بايرن ميونخ، وبين باريس جيرمان الذى بدأ اللقاء بقوة، وهاجم وهدد مرمى نوير الذى أبدع وتألق. ولم يستسلم سيد بافاريا للهجوم الفرنسى، وقاوم وقام ورد، بهجوم شرس، فيه الضغط العالى الذى لم يتوقف أبدا على مدى 90 دقيقة، وكم كان مدهشا أن يتمتع فريق بمثل تلك اللياقة البدنية والمهارات التكتيكية، ربما هو البناء العلمى المدروس وتجديد الدماء بلاعبين تتراوح أعمارهم بين 22 و25 عاما. لكن هذا البناء كان مدفوعا بالعقلية الألمانية التى لا تعرف التهاون أو الاستهتار. هم يشعرونك أن الاستهتار جريمة. فبعد الهدف أخذوا يبحثون عن الهدف الثانى، لم يتراجعوا، ولم يهدروا الوقت ولم يسقط نوير ويموت كأنه تعرض لطلقة رصاص فى كل كرة يتلقاها. كما يفعل حراسنا الأفاضل، ويوصف فعلهم هذا بأنه خبرة من إعلام يرسخ دون أن يدرى أن إهدار الوقت خبرة !!
** انتهت المباراة. وفاز البطل وضحك. وبكى المهزوم بألم. وواسى المنتصر المنكسر، فلا كراهية، ولاحقد ولا غل، ولا شماتة، ولا تحفيل يوصف أيضا بأنه خفة دم، مع أنه يمكن أن ينثر الدم. وأقام الأبطال ممرا شرفيا للمهزومين، بدا كأنه قوس النصر للخاسر فى باريس.. ما هذه الروح وما هذه الأخلاق؟
** منذ سنوات نطالب بتلك الروح وبتلك الأخلاق. وكلما طالبنا يكون الرد من الجميع: «أصل إحنا بعيد قوى».. وهو رد سلبى، فما هى صعوبة التحلى بالأخلاق والروح الرياضية، ونبذ الكراهية والاحتقان والتعصب. فلا أحد يطالب بملاعب عملاقة أو بآلاف الأندية، ولا أحد يطالب لاعبينا بممارسة كرة القدم كما يمارسها الالمان أو العالم الآخر. فتلك مسألة صعبة جدا، خاصة وسط حالة رياضية إعلامية تصدر للشباب وللناس أن إهدار الوقت خبرة.. حتى أصبحنا نخشى أن يهرب منا الوقت ولا يعود إلا بمعاناة!