بقلم: حسن المستكاوي
** الساعة الثانية وخمس دقائق من يوم السادس من أكتوبر 1973، عبرت أكثر من 200 طائرة مقاتلة مصرية من طرازات ميج 21 وميج 17 وسوخوى 7 خط القناة، معلنة بدء حرب الكرامة والتحرير. وكانت الضربة سرية ومتقنة حتى إنه بعد عودة نسور الجو إلى قواعدهم تساءل المهندسون والفنيون عن التدريب، فكان الرد: «لم يكن تدريبا وإنما ضربنا إسرائيل». وفى الضربة الجوية الأولى هاجمت طائراتنا 3 قواعد ومطارات، و10 مواقع صواريخ مضادة للطائرات من طراز هوك، و3 مراكز قيادة، وعددا من محطات الرادار ومرابض المدفعية بعيدة المدى، كما قال المشير محمد عبدالغنى الجمسى فيما بعد عن تلك الضربة الجوية.
** لا يمكن اختصار انتصار أكتوبر فى الضربة الجوية. فقد كانت حربا شاملة، تعاونت فيها كل الأسلحة، ومضى ذلك بتناغم، وعبقرية، حسب وصف المعلقين والخبراء العسكريين الأجانب، وقد قرأت فى يوم السادس من أكتوبر 73 الصحف الإنجليزية الصادرة فى نفس الليلة؛ حيث كنت مثل آلاف الطلبة فى ذاك الوقت نسافر إلى أوروبا للعمل فى المصانع والمزارع والمطاعم فى تجربة كان لها تأثيرها الإيجابى البالغ على جيلنا.
** فى الحرب عملت الأسلحة كلها. وتجلت شجاعة القوات فى عبور القناة، وفى تحدى نيران النابالم التى كانت يعدها الجيش الإسرائيلى لإشعال مياه القناة بها، كما تجلت عبقرية المهندسين العسكريين المصريين فى اختراق الساتر الترابى بمدافع المياه، وتجلت شجاعة المقاتل المصرى فى مواجهته للدبابات الإسرائيلية بصورايخ ساجر السوفيتية، وكان لسلاح الدفاع الجوى دوره فى تحييد المقاتلات الإسرائيلية، فكانت حربا انتصر فيها الجيش المصرى بكل أسلحته.
** لن ينسى جيلنا يوم 6 أكتوبر 1973، ولن ننسى يوم الخامس من يونيو 1967، وبين اليومين كان نضال الشعب المصرى العظيم، هذا الشعب الذى رفض هزيمة مؤلمة، وطالب الرئيس عبدالناصر بالبقاء وقيادة الدولة للخروج من تلك المحنة، ولم تكن مظاهرات 9 و10 يونيو طلبا من الرئيس بعدم التنحى ولكنها كانت تكليفا شعبيا له بإخراج البلد من تلك الهزيمة القاسية.. وقد كان، وربما دفع عبدالناصر جزءا كبيرا من صحته بسبب هذا التكليف.
** كم كان عمرك وقت حرب 67؟ كنت صغيرا جدا. وكنت متطوعا فى الدفاع المدنى، وكان جيلنا يهتم بالشأن العام منذ الطفولة، جيل تعلم فى مدارس الحكومة، وقرأ الصحف، وقرأ مقالات الأستاذ محمد حسنين هيكل، وقرأ العقاد وتوفيق الحكيم، وقرأ مقارنة الأديان للدكتور أحمد شلبى، وقرأ كتب العسكرية وتابع معارك حرب الاستنزاف، نحن جيل قرأ كل شىء، جيل عاشت مصر فى وجدانه، عاشت وطنا عظيما وكبيرا، يحرك دموعنا أمام رايته ونشيده، وكنا أيضا نرى عيوبنا ومشاكلنا، وكنا نحلم بالسياسة، وكنا نعرف ما هى السياسة، وكيف يمكن أن تكون هناك أحزاب سياسية قوية، وكيف يمكن أن يخرج من قلب الشارع حزب له جماهيرية، وكان جيلنا فى الوقت نفسه يدرك ظروف العصر ومعارك العصر، وماذا كانت تعنى إسرائيل للغرب القوى..؟ ولم يهتز أبدا ارتباطنا بالوطن وحبنا للوطن. فجزء كبير من تعريف الوطنية ألا تغضب من وطنك لمجرد أنك تعانى فى حياتك وفى ظروفك.. وقد كانت معاناة جيل الآباء وجيلنا أيضا كبيرة، لكن مع ذلك إذا كنا بكينا ألما فى لحظة الانكسار فقد بكينا فرحا فى لحظة الانتصار.. ولذلك سأظل فخوروا بانتمائى لجيل أحب بلاده فى كل وقت.. أحبها كما كانت وكما ستكون.