بقلم: حسن المستكاوي
** فى الخامس والعشرين من شهر ديسمبر كل عام يتفاخر الفيفا بأنه فى هذا اليوم لعب الأعداء الحلفاء والألمان مباراة فى كرة القدم عام 1914 أثناء الحرب العالمية الأولى. وأن الجنود والجيوش من الطرفين لعبا تلك المباراة الودية على حواف الخنادق، وتحت أنظار فوهات البنادق، فيما أطلق عليه «هدنة عيد الميلاد». وهناك وثائق متضاربة بشأن النتيجة، فبعضها يقول إن الألمان فازوا 2/1. وفى قول آخر فازوا 3/2. وقيل إن مباراة أقيمت بين قوات من إسكتلندا وألمانيا وأن اللقاء انتهى بفوز الفريق الأسكتلندى 4/1.. كيف حدث ذلك؟ كيف وضع الجنود بنادقهم وأوقفوا هدير جنازير الدبابات، ولعبوا وضحكوا وتنافسوا ثم عادوا إلى القتال.. هل هذا حقيقى؟
** هناك شهود وروايات كتبت فى التاريخ وتناولتها صحف كبرى، وكذلك على موقع الاتحاد الدولى لكرة القدم (الفيفا) ما يشير إلى هذه المباراة والمباريات، ولذلك فإن الحقيقة المؤكدة تقول إن هناك مباريات كرة قدم أقيمت بين جنود الحلفاء والألمان أثناء الحرب العالمية الأولى.. وأن الأمر كان محسوبا فى أوساط الاتحاد الإنجليزى لكرة القدم الذى تأسس عام 1863، وأنه شكّل فريقا من كتيبة عسكرية فى نوفمبر 1914. للعب مباريات على جبهة القتال. فهل كان ترويحا مقررا للجنود أم عملية مخابراتية وسط أجواء الحرب؟
** إنها كرة القدم فقط من دون ألعاب الرياضة كلها التى يمكن أن تدفع جيوشا متحاربة للعب مبارايات أو مباراة ودية شغفا باللعبة وترويحا من ضغوط الحرب، لم لا وعلماء الاجتماع يقولون إن كرة القدم هى البديل المشروع للحرب، وإنها منحت الإنسان ميدانا يمارس من خلاله نزعته الفطرية للقتال، من أجل الأرض والماء والغذاء والثروة..!
** قطعا لم توقف كرة القدم الحروب، ولم تكن مباريات الحرب العالمية الأولى سوى مجرد فكرة، وهدنة، لم تستمر على سطح كوكب الأرض، فقد استمرت الحروب فيما بعد الحرب العالمية الأولى، واندلعت الحرب العالمية الثانية، ولم يتوقف الإنسان عن الحرب وكذلك لم يتوقف عن اللعب. وصحيح أن بعض اللعب بات حربا وبعض الحروب أصبحت ألعابا، إلا أن الحياة مضت بين طرفى مقص كلاهما يتحرك فى اتجاه مضاد، اللعب والحرب..!
** لقد ظلت بطولة كأس العالم عندى عنوانا للبهجة والوحدة والسلام. وأثرى المونديال اللعبة وساهم فى تطويرها وفى جعلها أسرع وأكثر متعة، وإن تغيرت أشكال المتعة. فلم تعد نابعة من اللاعب الفرد وإنما من الفريق والمجموع لم يعد الإبداع قادما من قدم جارينشا وبيليه ودى سيتفانو ولكن أصبح يصنع بواسطة فرقة موسيقية تتنوع فيها الآلات والمهام كفرقة برشلونة أو ألمانيا أو إسبانيا.
** إن كرة القدم لعبة جادة وجميلة ومثيرة وغريبة وعامرة بالأساطير وبالخرافات، وتتسلح الدول المتقدمة فيها بالعلم والتكنولجيا، وهى لعبة عميقة فى الوقت نفسه، وهى صناعة تأتى فى ترتيب متقدم بعد صناعات السلاح والطيران والسيارات، وأن عدد الذين يمارسون كرة القدم رسميا فى العالم يصل إلى 300 مليون نسمة حسب إحصائيات الفيفا وقد يقفز الرقم إلى أكثر من ذلك بكثير بالنسبة لمن يلعبها دون أن ينضم إلى فريق..
وكرة القدم أيضا تعكس حضارات شعوب وكبرياء أوطان وكبرياء الفرد.. وكرة القدم هى قوة ناعمة لدول كبرى كما فى البرازيل وجزء من اقتصاد دول كما فى بريطانيا وكرة القدم هى البهجة والمتعة والإثارة والانطلاق والحياة كما فى كل شارع وطريق ومدينة ودولة وملعب.
** نعم كرة القدم كل هذا وأكثر من هذا.