بقلم: حسن المستكاوي
** فى أحد أيام 2011 تلقيت اتصالا من ميدان التحرير، وكان عبارة عن دعوة من شاب صديق، للتوجه إلى الميدان، لالتقاط مجموعة صور وسط واحدة من تجمعات يناير. واعتذرت، لأن الأمر ليس مجرد صورة تظهر على مواقع التواصل، وتكون دليلا على تأييدى لما حدث من تغيير سياسى، فالشعوب تخرج بالملايين إلى الشوارع والميادين لتأييد واقع سياسى أو لرفض واقع سياسى.. وقد حدث ما حدث، وشهدت حركة التغيير حرقا وتخريبا ودمارا وقتلا.. وعم الغضب والخوف والشعور بعدم الأمان «لأن مصر هى أنا وأنت.. مش يا أنا يا إنت».
** فى يونيو 2013.. خرج ملايين المصريين إلى الشوارع والميادين فى جميع محافظات مصر رفضا لواقع سياسى، وسعيا لتغيير هذا الواقع.. خرج الملايين، وخرجنا جميعا، الآباء والأمهات والأبناء والأحفاد. حركنا الرفض، وفى أثناء الحركة كنا سعداء ونشعر بفرحة غامرة. كنا نهتف بسقوط حكم المرشد، بمزيج فريد فيه الغضب والسعادة.
** كان ذلك أمرا مشروعا، وكنا نتوقعه، حين وجدنا الإخوان يخونون كل التوقعات، ويمارسون العنف، ويستولون على البرلمان، وعلى الشارع، وعلى الرئاسة، لدرجة انهم أعلنوا فى الرابعة فجرا النتيجة قبل إعلان القضاء كأنها «لعبة كراسى موسيقية». ولذلك خرج المصريون فى 30 يونيو لاسترداد مصر، واسترداد شخصيتهم وهويتهم. فأصبح هذا اليوم ثورة حقيقية، تحركها أمواج الوطنية وليس أهداف السياسة.
** فى السياسة بالطبع أهداف وطنية، لكن فى الوطنية الخالصة ليس بالضرورة أن تكون هناك سياسة.. والوطنية لا تحتمل التأويل ولا التأجيل ولا الحذلقة.. والوطنية ليس فيها مواربة ولا إخفاء نيات، ولا استغلال مواقف، ولا انتهاز فرص، ولا تحريض بكلمات فيها السم المغموس فى العسل والشعارات. ولا تجارة بالدين.. الوطنية أن تحب بلدك وأن تنصرها وتناصرها فى قوتها وفى محنتها.
** نحن جيل ظل يهتف سنوات: «تحيا الجمهورية العربية المتحدة» ويصرخ بها من قلبه. ونحن جيل أخذ يهتف أيضا: «تحيا مصر».. بنفس القلب وبنفس الصرخة. ونحن أيضا جيل لم يتعلم السياسة ولم يمارسها. لكننا جيل احتسى الوطنية والشعور الوطنى فى ظروف دولية وإقليمية تفور بثورات تحرر ولا يهم الآن كيف صبغت الظروف الإقليمية والمحلية جيلنا بالوطنية فى ذاك الوقت وهل كان ذلك اختيارا أم إملاء. فلكل جيل معاركه. فجيل ثورة 19 كانت معركة الاستقلال. وجيل ثورة يوليو كانت معركته ضد الاستعمار والاحتلال وإسرائيل. وهذا الجيل يخوض حربا شرسة ضد الإرهاب وفى ظروف إقليمية ودولية شديدة التعقيد. ويخوض معركة بناء الدولة المصرية الحديثة بكل ما فى عمليات البناء من جدية ومشقة وصبر ودأب وزمن، وستكون معركته حتما هى ممارسة السياسة مستقبلا.. جيل الأبناء والأحفاد ستكون معركته مختلفة. معركته هى التحليق فى سماء الحرية والمساواة والقانون.. معركته خطاب مختلف وحديث فى كل مجال وفى كل موقع. هو جيل متصل بالعالم. يرى العالم. يعرف ما يجرى فى العالم.
**فى 30 يونيو وفى 3 يوليو انفجر المصريون فى الفرحة وكان يكفى أن ينظر الذين يهرتلون عبر نافذتهم الضيقة كى يدركوا أن شعب مصر ليس فلولا كما يدعون. فرحة الملايين تشرح لكم مشاعر المصريين الحقيقية. وهى فرحة لم ترتب بأمر، ولم تحسب بتخطيط. ولم تكن بتوجيه.. إن عبقرية مصر هى الإنسان كما هى المكان. نعم المصريون شعب مذهل يخرج غاضبا إلى الشوارع، بفرح، يغنى ويحتفل، ويتسلح بخفة الدم.. شعب يعطى موعدا لثورته: يوم 30 يونيو الساعة الرابعة.