بقلم: حسن المستكاوي
** لاصوت يعلو الآن على صوت مباراة السوبر المصرى بين فرعى الأسرة الكروية، الأهلى والزمالك فى أبو ظبى. إنه اللقاء المنتظر. إنها المباراة رقم 6 بين الفريقين منذ انطلاق البطولة لأول مرة فى 28 أغسطس عام 2003.. وليس مهما فى أية منافسة يلتقى الفريقان، وإنما المهم أنهما يلتقيان، وهو ما يكفى لأن يصبح اللقاء حديث الساعة والدقيقة، وحديث الصباح والمساء!
** ومنذ مطلع القرن العشرين تعيش كرة القدم المصرية والعربية ظاهرة الأهلى والزمالك التى تشد أنظار المتفرجين وتحبس أنفاسهم كلما التقيا فى مباراة..وكان يقال إن القاهرة ترتجف فى مباريات القمة وإن الأمن يستريح بانتهاء اللقاء بالتعادل وحتى لا يغضب أحد الجمهورين. لكن السوبر بطولة لابد فيها من فائز، وكل مباراة للأهلى والزمالك هى فى جميع الأحوال بطولة خاصة يحسب فيها كل معسكر عدد مرات فوزه وعدد الأهداف التى سجلها. وتشهد بعض المباريات أزمات عنيفة وتشهد مباريات أخرى انتصارات مدوية لطرف على طرف فتعيش شوارع المدينة مظاهرات فرح صاخبة تعلو فيها رايات الفائز وتخفت فيها رايات المنكسر.
** فى الستينيات من القرن العشرين تداول المصريون هذه النكتة. وهى أن خرتشوف رئيس الوزراء السوفيتى كان فى زيارة للقاهرة وتصادف أن انتهت مباراة بين الفريقين الكبيرين بفوز الأهلى فانتشرت جماهيره رافعة الرايات والأعلام الحمراء فى الطرقات والميادين والشرفات فألقى خرتشوف نظرة فاحصة تلتها ابتسامة وقال لمرافقيه: «لم أكن أعرف أن الشعب المصرى سعيد بزيارتى لهذه الدرجة».
فقيل له: عفوا معالى السيد رئيس الوزراء.. جمهور الأهلى سعيد بفوز فريقه على الزمالك!
** ومثل الدراما المحبوكة تتصاعد الأحداث، وتتوتر الأعصاب، عندما يشتد الصراع وتكون كفة القطبين متساوية فى القوة. وأعتقد أن فترة الستينيات من القرن العشرين شهدت طبيعة خاصة فى المنافسة بين الأهلى والزمالك، أو لنقل ارتفاع درجة حرارة الصراع بين الفريقين، لأسباب رياضية واجتماعية وسياسية، كما فسرها أساتذة الصحافة والأدب والثقافة فى مصر والعالم العربى وقتها، ففى مقال له بمجلة الحوادث اللبنانية قال رئيس تحريرها سليم اللوزى: «الأهلى والزمالك أقوى حزبين فى العالم العربى».
** وهو نفس ما كتبه د. يوسف إدريس فى واحدة من مقالاته السياسية إذ قال: «إن الأهلى والزمالك هما الحزبان السياسيان الوحيدان فى مصر»!
وفى يوم من الأيام كتب الأديب الدكتور حسين فوزى الذى اشتهر بلقب السندباد المصرى فى الأهرام: «إن جمهور الكرة عموما ظاهرة اجتماعية وإن موت الأحزاب عندنا وحاجة الناس إلى شىء يتحزبون له وراء ظاهرة كرة القدم فى مصر»!
** ترى هل تغيرت وجهة نظر الصحافة والثقافة والأدب ووجهة نظر الجماهير وأهل السياسة فيما قيل فى الستينيات من القرن الماضى؟
** فى تلك الفترة أيضا جسّد الفن صورة وأهمية مباراة القمة بين الأهلى والزمالك، عندما ترنمت الفنانة صباح، وترنم معها ملايين المصريين والعرب بأغنية: «بين الأهلى والزمالك.. محتارة والله».. وكانت مصر فى ذلك الوقت تبدو وكأنها تعيش هذه الحيرة، فجماهير كرة القدم منقسمة بين الناديين، ونجوم ومشاهير المجتمع فى الفن والأدب والسياسة والصحافة، حائرون بين الاثنين.. الأهلى والزمالك.. وأصبحت هذه الأغنية نشيدا كرويا تاريخيا يعزف كلما وقعت مواجهة بين الفريقين خاصة أن حيرة المجتمع بين الأهلى وبين الزمالك ما زالت قائمة..
** غدا موعدنا فى العاصمة الإماراتية أبو ظبى مع مباراة قمة بين فرعى الأسرة الكروية الكريمة.. ولا صوت يعلو فوق صوت اللقاء!