بقلم : حسن المستكاوي
** هذا عنوان تحقيق صحفى أجرته الزميلة ياسمين سعد فى «المصرى اليوم».. وربما هو تقصير منى، لأننى لم أقرأ التحقيق حين نشر، وعلمت بالقصة عندما استضافت الإعلامية الشهيرة منى الشاذلى الزميلة ياسمين سعد فى برنامجها التليفزيونى. وشعرت بفرحة غامرة لعدة أسباب، أولها أن الصحافة كمهنة مازالت حية، وأن مثل تلك التحقيقات والقصص وراء بقاء الصحف الأجنبية الكبرى على قيد الحياة على الرغم من مصاعب وتحديات تواجهها من جانب عالم الديجتال، ومواقع التواصل الإجتماعى، وارتفاع تكلفة إنتاج الصحف الورقية، وعزوف القارئ عن الصحف، لأسباب مهنية يسأل عنها أصحاب المهنة، ولأسباب اقتصادية، ولأسباب عصر تغير ويتغير يسابق فيه الإنسان زمنه..
** هذا العمل الصحفى أخذ من الزميلة ياسمين سعد ثلاث سنوات حتى وصلت إلى السيد حمد حسب المواطن المصرى الذى كان على متن السفينة تيتانيك التى غرقت فى رحلتها الأولى والأخيرة يوم 15 إبريل عام 1912، وكان هو أحد الناجين من الغرق، وقد أرسل برقية تفيد بنجاته إلى أهله فى مصر يوم 18 إبريل من العام نفسه.
** أول مواهب الصحفى والعمل الإعلامى هو الفضول، والشغف، ومن لا تحركة الرغبة فى أن يعرف (بفتح الياء) لن يستطيع أبدا أن يعرف (بضم الميم). ولأن ياسمين سعد موهوبة بالفطرة فقد حركها هذا الفضول والشغف نحو هذا التحقيق. عندما تابعت تقريرا تلفزيونيا فى إحدى القنوات اللبنانية فى ذكرى مرور مائة عام على الحادث إحياء لذكرى ضحايا لبنانيين، فقررت البحث عن مصريين كانوا بالسفينة، وبدأت بذلك رحلة طويلة كمن يصعد جبلا من الثلج. فلم تيئس ولم تتوقف، وزارت الموقع الرسمى للسفينة تيتانيك، وقرأت الأسماء، بحثا عن مصرى، ووجدته، اسمه حمد حسب. فهل الاسم صحيح؟
** زارت دار المحفوظات، ودار الوثاق المصرية، ودار الكتب، وفتشت فى صفحات جريدة الأهرام الصادرة فى شهر إبريل 1912.. وخاطبت فندق مينا هاوس، وشركة توماس كوك، ودار نشر هاربر، التى كان يملكها هنرى هاربر صديق حمد. وتعبت ياسمين سعد، وأنفقت المال وهى تبحث عن الحقيقة، وعن طيف أو خيط دخان تطارده وتحلم بأن تمسك به، وسخر منها من سخر، ولكنها امتلكت إرادة الوصول إلى حمد حسب يحركها هذا الشغف الصحفى الغريزى عندها حتى وصلت إلى أهله أو أحفاده وتحققت من قصتها، ومن سفر حمد حسب بصحبة أسرة أمريكية زارت مصر مرات وكان هو الترجمان الخاص بها، وبالمصادفة كان حمد حسب وراء إنقاذ الأسرة حين غرقت السفينة العملاقة وغرق معها آلاف الركاب..
** فى النصف الأول من القرن العشرين قال أمير الشعراء أحمد شوقى: «لكل زمان آية.. وآية هذا الزمان هى الصحافة».. ومنذ سنوات نتساءل: هل تبقى الصحافة بأشكالها الورقية والمختلفة على قيد الحياة؟
** مثل هذا العمل المهنى الصعب الذى يعنى بالتفاصيل بلا يأس هو الذى يبقى الصحافة حية. وللأسف لا أعلم هل فازت ياسمين سعد بجائزة صحفية عن هذا العمل أم لا؟ وفى جميع الأحوال هى تستحق تكريما خاصا من نقابة الصحفيين ــ ويكون تكريما ماديا وأدبيا لائقا، ليكون رسالة من النقابة إلى جميع زملاء المهنة، وإلى المجتمع بأن الصحافة مازالت حية، ويمكن أن تبقى على قيد الحياة بمثل تلك النوعية من الأعمال المهنية..«تذكرة على متن تيتانيك»..!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع