بقلم: حسن المستكاوي
** هناك بشر دخلوا التاريخ الإنسانى لأنهم شجعان وزعماء ثورة، أو قادة فى حروب، أو دعاة سلام. أو فلاسفة، وهناك بشر دخلوا التاريخ باكتشاف، أو باختراع، أو لأنهم من أصحاب الكلمة، ومن أهل الأدب والفنون والثقافة، أو من الرواد، وهناك بشر دخلوا التاريخ بقدراتهم ومهاراتهم البشرية الرائعة وبتحديهم للزمن والمسافة والوزن فى مجال الرياضة أو كرة القدم.. ومن هؤلاء العظماء بيليه.
** نشرت صحيفة ديلى ميل البريطانية تقريرا من البرازيل عن إصابة بيليه (80 سنة) بحالة اكتئاب شديدة نظرا لعدم قدرته على الحركة، فقد تعرض لإصابات وأمراض عديدة، وهو اللاعب الذى كان يملأ كوكب الأرض بالحياة والضجة والمتابعة.
أعلن ذلك نجله إيدينيو فى تصريحات أدلى بها لموقع «جلوبو إسبورتى» الإخبارى وقال: «إن والده ضعيف للغاية من حيث قدرته على الحركة منذ أن أجرى جراحة فى الفخذ ويواجه مشكلة فى قدرته على الحركة وأدى ذلك لإصابته بنوع من الاكتئاب».
** بيليه نجم كرة القدم فى القرن العشرين ومن عظماء اللعبة على مدى تاريخها. حقق مجدا لم يسبقه إليه أى لاعب، إذ مثل بلاده فى أربع بطولات لكأس العالم، وفاز بثلاث منها، وكان يملك القوة الجسدية والبدنية، واللياقة، وسرعة الانقضاض والحركة، ودقة التسديد بكلتا القدمين وبالرأس، وكل عضلة فى جسده منماة بشكل رائع، وعنده توازن كأحسن الساعات السويسرية.
** لكل زمن نجومه وأبطاله. ولا تجوز المقارنة بين بيليه وبين مارادونا وبين ميسى وبين رونالدو وبين كرويف. ففى زمن كل منهم كانت اللعبة لها طابعها ومختلفة عن الزمن السابق وعن الزمن القادم. فأيام بيليه كانت فى كرة القدم مساحات واسعة واللياقة أقل، والمهارة الفردية أهم. وكلما مرت السنين أصبحت كرة القدم أصعب، وأعنف، وأسرع، والمساحات فيها تضيق، ودور المهارة الفردية بشكل مطلق يقل باستثناء حالات المهارة العبقرية مثل ميسى أو رونالدو ورونالدينيو، وهو ما يجعل هؤلاء من النجوم السوبر فى تاريخ اللعبة التى أصبحت أيضا أكثر جماعية.
**يوم اعتزال بيليه عام 1973 بكت البرازيل، وبعدها هاجر للولايات المتحدة ولعب لفريق كوزموس، واعتزل مرة أخرى فى عام 1978 بعد أن لعب 1363 مباراة سجل خلالها 1281 هدفا وفى يوم الوداع بكت أمريكا كما بكت البرازيل وبكى هو مثل الأطفال، كما بكى فى السويد عام 1958، عندما حصلت البرازيل على كأس جول ريميه لأول مرة، وكما يبكى عشاقه حاله اليوم.
** فى حياة بيليه قصص وطرائف لا حصر لها، ومنها: أنه فى عام 1967 طرده الحكم ألبينو زانفرريا من الملعب، وذلك فى إحدى مباريات دورى ساوباولو، فهل تعرف ماذا حدث لهذا الحكم ؟
الاتحاد البرازيل لكرة القدم قرر إيقاف الحكم ــ وليس بيليه ــ لمدة شهر لأنه حرم الجماهير من متعة مشاهدة الفن، والحيوية والقوة.
** كان بوبى مور كابتن إنجلترا صديقا لـ بيليه وكلاهما يتابع الآخر فى المباريات، وكلاهما يحترم مهارة الآخر، وقال (بوبى مور: كنا نراقب شيئا معينا يفعله بيليه فى بعض الأحيان، وتصورنا أنها صدفة فى البداية، ثم اكتشفنا أنه يقصد أن يفعل ذلك، ويتقنه. فعندما كان يحاصره بعض اللاعبين كان بيليه يركل الكرة فى سيقانهم لترتد إليه ثانية، فيرتبكون، ونراهم يبحثون عنها، وهى معه.
** عندما فازت البرازيل بكأس العالم عام 1970 استقبل رئيس الجمهورية إميليو جاراستازو ميديسى الفريق فى القصر الجمهورى. وحين اقترب المنتخب من القصر خرج الرئيس إلى الشرفة وهتف من أعماق قلبه: «يحيا الملك».. وكان يهتف لبيليه. ولعلها المرة الوحيدة فى تاريخ البشرية التى هتف فيها رئيس جمهورية لملك..!