بقلم : أسعد تلحمي
قبل الاحتفاء، إسرائيلياً (لدى المعارضة وغالبية الجمهور) أو دولياً، بمغادرة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو منصبه والانصراف إلى بيته أو إلى السجن في حال دين بالفساد، يجدر طرح السؤال: من سيحل محله وهل سيأتي بجديد، وربما جديد أسوأ وأخطر؟
وقد أعاد اتهام الشرطة نتانياهو بالفساد، إلى واجهة النقاش في إسرائيل السؤال عن هوية «خليفة» نتانياهو - الذي يكاد الجميع يتفق على أنه سيضطر إلى الرحيل بعد أشهر أو عام على الأكثر- وسؤالاً أكثر صعوبةً: هل في الدُّرج الإسرائيلي شخصية قيادية قادرة فعلاً على تبوؤ هذا المنصب.
نجح نتانياهو على مدار تسع سنوات متتالية في الحكم في استثمار جنوح الشارع الإسرائيلي منذ انتفاضة العام 2000 نحو اليمين والمزيد من التطرف خير استثمار فعزز الاستيطان اليهودي في الأراضي المحتلة ورمى بملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي جانباً واستبدله بـ «التهديد الإيراني»، فنال رضى اليمين القومي المتطرف وعزز شعبيته على نحو بات يشعر فيه بأنه «ملك إسرائيل»، ويأتيه ترامب ويضع التاج على رأسه.
ولعل نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة المتضاربة التي جرت غداة توصيات الشرطة بمحاكمة نتانياهو تعكس تخبط الإسرائيليين في تقييم رئيس حكومتهم: فمن جهة يصدق أكثر من نصفهم اتهامات الشرطة، وتطالب نسبة مماثلة برحيل نتانياهو، لكن من جهة أخرى ما زال حزب «ليكود» بزعامة نتانياهو يتبوأ صدارة الأحزاب التي ستفوز في الانتخابات في حال جرت اليوم.
يعرف الإسرائيلي أن نتانياهو غارق حتى أخمص قدميه بالفساد، أو على الأقل ينعم بحياة بذخ يوفرها له أصدقاؤه من أثرياء العالم، لكنه في الوقت نفسه فإنه مرتاح لحكمه على الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية.
لن يجد نتانياهو صحافيين يدعون إلى بقائه في الحكم بداعي نجاحه في إدارة شؤون الدولة على نحو مرضٍ، على رغم تورطه في الفساد، مثلما فعلوا مع أريئل شارون الذي غاص في فساد مالي أكبر بأضعاف المنسوب إلى نتانياهو، لكنه سيجد من يسأل، حتى بين مناوئيه، عن هوية البديل وأهليته لقيادة إسرائيل، كما فعل الكاتب اليساري جدعون ليفي عندما كتب أن الإسرائيليين، عندما سيختبرون خليفة نتانياهو من قائمة المرشحين، قد يشتاقون إلى نتانياهو وسنوات حكمه.
ويعتبر يئير لبيد، زعيم الحزب الوسطي اليميني «يش عتيد» أقوى المنافسين على رئاسة الحكومة، لكنه لا يعد بشيء مغاير مما قام به نتانياهو حتى الآن، خصوصاً في الملف الفلسطيني (ضم القدس وغور الأردن والمستوطنات الكبرى إلى إسرائيل في إطار أي اتفاق)، وأكثر ما يتحدث عنه هو انفصال أحادي الجانب عن الفلسطينيين وفق الخريطة التي يرسمها بنفسه وتحافظ على مصالح إسرائيل الأمنية، وذلك خوفاً على أن تصبح إسرائيل دولة ثنائية القومية.
لكن، من جهة أخرى، تُؤخذ عليه قلة خبرته كونه قدِم إلى الساحة الحزبية بصفته نجماً تلفزيونياً جميل الطلّة، مع أجندة واحدة اعتمدت محاربة المتدينين «الذين يهنأون مجاناً بأفضال السلطة». كما يؤخذ عليه إقامته حزباً بلا مؤسسات، هو الذي يعين أعضاءه وهو الذي يقيلهم. «ضحل وفارغ أيديولوجياً»، على حد توصيف جدعون ليفي.
لكن أحزاب اليمين والمتدينين ستفضل الإبقاء على الشراكة مع «ليكود»، سواء برئاسة جدعون ساعر أو يسرائيل كاتس أقوى المرشحين للفوز بزعامة الحزب بعد نتانياهو. كلاهما من المعسكر المتشدد داخل «ليكود» ويفوقان نتانياهو تطرفاً قومياً، حتى أن نتانياهو يبدو معتدلاً مقارنةً بهما: الأول يدعو إلى استغلال وجود ترامب في الإدارة الأميركية لضم الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، والثاني يتلخص ماضيه في كونه ظلاً لنتانياهو لكن أشد تطرفاً.
خلاصة الكلام، فإن أزمة السياسة الإسرائيلية وأزمة القيادة لا تتصل بشخص نتانياهو، كما يروّج البعض هنا وفي العالم العربي بل هي أزمة تنفذ إلى صميم السياسة الإسرائيلية ومبناها الفلسفي والعقائدي. المعسكر اليمين صريح في تطرفه فيما النُخب التي تدّعي الاعتدال، معنية بغالبيتها بإدارة الصراع على نحو مريح لها ولا تقصد حلّه. ومن هنا فإن القيادات التي تطرح نفسها بديلاً لنتانياهو عادة ما تلتفّ عليه من يمينه وتُزايد عليه من هذه الزوايا!.
نقلا عن الحياه اللندنيه