بقلم: حمد الماجد
ونحن نمر بذكرى هجمات سبتمبر (أيلول) الإرهابية، كأنما يَزِنّ في آذاننا هدير الطائرات المدنية في سماء نيويورك وهي متجهة لتدمير برجي نيويورك الشهيرين، ورائحة الدخان المختلط بغبار الخرسانات المتهاوية على البشر تغطي الأفق، وقد بلغت القلوبُ الحناجر، وبدا الناس وهم يفرون من تهاوي ناطحات السحاب مفزوعين مرعوبين، وقد غمرتهم سحب الغبار الضخمة، وكأنهم يمرون بأهوال يوم القيامة، سكارى وما هم بسكارى.
لقد هُدمت أبراج نيويورك، وشُيدت بعدها أبراج من عدم الثقة بين العالمين الغربي والإسلامي، فتّتت أميركا أفغانستان، وقوضت دولة العراق، واحتلت الصومال، وطاردت فلول «القاعدة» في كل أنحاء كرتنا الأرضية وهاجمتهم وهاجموها، وفتحت سجون غوانتانامو سيئة الصيت، وشُيِّدت السجونُ السرية «التعذيبية» في دول «الحريات» الغربية، وأرسلت طائراتها بالطيار ومن دون طيار، تتعقب بها رموز «القاعدة» وتقتلهم، ونسخت «القاعدة» هجمات ما فوق الأرض في نيويورك، ولصقتها تحت الأرض في لندن في 7 - 7، لتعقب كل هذه الأحداث الجسام «استراحة» مستقطعة للإرهاب انزوت فيها «القاعدة» بعد حراك الثورات العربية، وخنست وظنت أميركا أن الإرهاب قد ولى زمانه، ففاجأها زخم للتشدد والإرهاب لم يكن في الحسبان: «داعش»، وما أدراك ما «داعش»، ومن دار في فلكه، ولوث جرثومته مخه. وُلدت حركات متشددة من رحم الثورات العربية، حتى صار البعض يقارن في حال «القاعدة» في أفغانستان قياساً بفظائع ووحشية ودموية «داعش» ومن دار في فلكهما.
وكأني بصامويل هنتنغتون، وفق ارتفاع مقياس الحركات الإرهابية وتأسيسها لدول واستيلائها على أسلحة متطورة وسيطرتها على مطارات وآبار نفط، يفرك يديه مستدلاً بها على صحة نظريته المثيرة للجدل «صراع الحضارات»، وأن هذا الصراع سنة كونية حتمية لا تداري حقيقتَها الساطعة تصريحاتُ السياسيين المنمقة ولا بيانات مؤتمراتهم الصحافية المزوقة.
من يتصور أن أميركا التي تنقب في حقائب المسافرين عن سكين مقص الأظافر، خشية اختطاف طائرة، فتتكرر أحداث 11 سبتمبر صارت، و«داعش» أوجها، تواجه خطر أن تهاجمها طائرات مدنية وحربية استولت عليها الحركات المتشددة في مطارات ليبيا والعراق؟ ومن يصدق أن أميركا التي كانت تتخذ بعد أحداث 11 سبتمبر موقفاً هجومياً من الإرهاب صارت تتخذ بعده موقفاً دفاعياً وقائياً؟ وصل حد أن تحذر شركات الخطوط الأميركية من المرور فوق أجواء «الخلافة الإسلامية» في العراق، حتى لا تصيبها نيران الأسلحة المتطورة التي وقعت في أيدي المتشددين، أو أوصلها لهم أطراف دولية مريبة.
صحيح أن دولة «داعش» تهاوت، ولم يتبق لها إلا جيوب محدودة معدودة، ولكن الصحيح أيضاً أن كل الحروب التي استهدفت حركات الإرهاب في آسيا وأفريقيا كانت تدمر الأغصان والأوراق، وربما الجذوع، ولكنها لم تمس جذور الإرهاب بسوء، بدليل أنها كلما هُزمتْ في بلد انتعشت في آخر.