توقيت القاهرة المحلي 05:01:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غربلة التراث من غرائب الوعظ

  مصر اليوم -

غربلة التراث من غرائب الوعظ

بقلم: حمد الماجد

خذوا هذه «الغريبة» التي انتشرت في السوشيال ميديا نستفتح بها الموضوع، فقد تناقلوا حواراً ‏يُنسبُ إلى ميمون بن مهران، القاضي والعالم الجليل ومؤدب أبناء الخليفة الأموي العادل عمر بن عبد العزيز، يقول لصاحبه وهو يحاوره: إني أتصدق وأجد مالي يزداد، فتصدق صاحبه، فقال: تصدقتُ فوجدتُ مالي ينقص، فقال ميمون: أنا أعامل ربي بيقين، وأنت تجرِّبه.
فللوهلة الأولى يبدو هذا الحوار الإيماني رائعاً، فهو يؤكد بالوقائع ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في الحديث الصحيح «ما نقص مال من صدقة، بل تزيده»، كما يحث على الشعور بيقينية الوعد الرباني، لكن من يستخدم «منقاشاً دقيقاً» وهو يتأمل نص الحوار، سيخرج بعدد من الملاحظات والمثالب لم ينتبه لها عدد من الدعاة والخطباء والواعظين، وحتى الناقلين لها من المثقفين ومشاهير السوشيال ميديا، هذه الملاحظات تجعلنا نشك في أصل نسبتها لعالم ورع زاهد مثل ميمون بن مهران، إحداها أنَّ في الحوار ما يشي بتزكية النفس، وهذا غير مقبول ولا مستساغ من عامة الناس، فكيف بأحد خواصهم الأنقياء الأتقياء مثل ميمون بن مهران، وفيه أيضاً اتهام لنية الآخر وهذه أشد سوءاً، ثم ما الذي أدرى «مهران» أن الله لم يعط صاحبه بسبب نية التجريب؟ والذي عنده أدنى علم من الكتاب والسنة يعلم أن لله في زيادة المال أو نقصانه، في العطاء أو الحرمان، في الصحة والمرض، حكمة بالغة لا يدركها البشر، ومن ذلك عدم رؤية أثر الصدقة أحياناً، كحكمته، جلت قدرته، في عدم قبول الدعاء من متضرع باكٍ خاشع متذلل، ورد في الحديث الصحيح تداووا بالصدقة، فهل إذا شفى الله زيداً بسبب الصدقة، ولم يشف عمرو بسبب صدقته، أن الأول صادق والثاني في نيته خلل؟
نقول الله أعلم، فقد يكون ذلك صحيحاً وقد لا يكون، وإنما هو مزيد تمحيص وغفران للذنوب، فاللَّه وحده أعلى وأعلم وأحكم من مهران رحمه الله ومن كل البشر.
هذا غيض من فيض مرويات الغرائب والعجائب اكتنز بها تراثنا، منها ما يتعارض مع النصوص الشرعية الثابتة أو يناقضه العقل والمنطق، والباعث على إيرادها في القديم، هو شعور متأصل عند الواعظ أو القَصَّاص بأن هذه الطريقة هي الأسرع في انتشارها، وهي الأكثر إبهاراً في لفت الأنظار إليها من ذكر النصوص التي اعتادها وعرفها كثير من الناس، هذا حين كان الخطيب أو الواعظ يُحَدِّث عشرات أو مئات، وفي عصر السوشيال ميديا زاد لهيب التنافس في جذب الناس وإبهارهم بهذه الغرائب المنكرة والقصص المجهولة، فالواحد من المشاهير وفي نقرة واحدة يوصل هذه «الغرائب» إلى مئات الألوف بل الملايين.
والملاحظ أنه كلما زاد العالم أو طالب العلم رسوخاً، ندر أن تجد في أحاديثه ودروسه ومحاضراته مثل تلك الغرائب الممجوجة والقصص المجهولة، والعكس صحيح، فتجد بعض أفراد النوع الأخير «مَكَبَّاً» لكل نفايات هذه الغرائب، لا تجدها إلا عنده ينتشي بإيرادها ويبهج بتردادها، نعم قد تزيد من عدد متابعيه أو يكثر المتجمهرون في مواعظه، لكنه بالتأكيد ضرر بالغ أن تصل هذه الترهات لهذه الأعداد الكبيرة التي تتناقلها فيما بينها، وللحديث بقية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غربلة التراث من غرائب الوعظ غربلة التراث من غرائب الوعظ



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon