بقلم: حمد الماجد
رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، الذي يمثل آخر معاقل حكم الفرد في أوروبا، أو كما يصفه الغربيون «آخر طاغوت في أوروبا»، يترنَح هذه الأيام بفعل الاحتجاجات الجماهيرية الحاشدة، وضجر الشعب البيلاروسي الذي يطمح لأن تنضم بلاده إلى مصاف الدول الديمقراطية المزدهرة.
خصوم الرئيس الديكتاتور البيلاروسي يرون فيه استبداد فرانكو، وقسوة تشاوسيسكو، ومكر علي صالح، وصلابة كاسترو، وعزلة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. وهذا في تقدير عدد من المراقبين مبالغ فيها، بدليل وجود المظاهرات والمسيرات والاحتجاجات والانتخابات «الشكلية». صحيح أن ليس لها أثر جوهري على تداول السلطة، بدليل سيطرة زعيمها الأوحد لوكاشينكو على نتائج الانتخابات، وتربعه على كرسي الرئاسة نحو ربع قرن، لكنه لا يُقارن أبداً بالقذافي وكيم جونغ أون والأسد أو تشاوسيسكو في دمويتهم وقمعهم.
يحدثني رجل أعمال سعودي له مصالح تجارية مع البلد، مشيداً باستقرار البلد وقوة البنية التحتية من صحة وتعليم وأمن ووسائل نقل عام ورخص في السلع، لكن مع نقص في الكماليات المتوفرة في دول الجوار الغربية، فلا تُقارن بيلاروسيا في عهد هذا الرئيس القوي برومانيا ولا بلغاريا، ولا حتى البوسنة.
يؤمن لوكاشينكو بالسلفية السوفياتية الشيوعية، ولا يستوعب ولا يؤمن بأي تغيير أو تطوير، فرفض برامج الخصخصة والانتقال إلى الملكية الفردية، حتى ذاك التحول الذي صار في معقل الشيوعية في موسكو التي خلخلها خروشوف، وأجهز عليها غورباتشوف بالضربة القاضية بقفاز البريسترويكا، بل بلغ من «سلفيته» الشيوعية المتشددة أنه حافظ على القبضة الشرسة لجهاز الـ«كي جي بي» الرهيب، رافضاً حتى تبديل اسمه، ولو للتمويه. وكما هي انتصارات زعامات الاستبداد في الانتخابات الصورية، فقد تتابعت انتصارات الزعيم «الملهم» في الانتخابات، لكنه أكثر حياء من عدد من انتخابات زعامات دول العالم الثالث ذات النسبة الملامسة لسقف الـ99 في المائة، فتنازل وجعل مؤشر انتصاراته في الانتخابات الخمسة يتأرجح حول الـ80 في المائة.
صحيح أن «الأب» لوكاشينكو، وهذا ما يحب أن يُنادى به، قد نجح حين تسلم السلطة منتصف التسعينيات في محاربة الفساد والجريمة المنظمة و«المافيات» التي كادت تنهش جسد بيلاروسيا، لكنه جعل هذا النجاح مبرراً للسيطرة على مقاليد الحكم، ليحول بيلاروس في ربع قرن إلى ما يشبه جمهورية سوفياتية مصغرة تكاد تكون مكتفية ذاتياً، لكنها معزولة.
أما الدب الروسي بوتين فيرقب الوضع مع حليفته بيلاروسيا، ودهاؤه يجعله لا يكترث بمحاولات الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو افتعال تهديد من الخارج لجر قدم روسيا لتدخل عسكري خطير، حتى لو أثمرت الاحتجاجات عن عزل لوكاشينكو، ما دامت بيلاروسيا ستواصل دورانها حول الفلك الروسي، بالتزامها باتفاقيات الوحدة الحكومية والتعاون الاقتصادي والعسكري.