بقلم : حمد الماجد
عملت الزعيمة الألمانية التاريخية أنجيلا ميركل، بقوة ومتانة محركات «مرسيدس» الألمانية، فاستمرت «محركاتها» السياسية بالعمل بالقوة والمتانة نفسها مدة 16 عاماً... هذه المحركات المتينة جعلها تفرض شخصيتها بقوة في مسارها العلمي والعملي والسياسي، فتدرجت من نادلة في حانة، لتكون نادلة عالم السياسة يسكر من أدائها وهمتها وطموحها شعبها وأحزاب بلادها، بل وحتى المنصات الإعلامية الدولية التي تقيس أداء رجال العالم ونسائه، فتربعت على مرتبة «الشخصية الأقوى تأثيراً» سنين عدداً، ونادمت الرقم الأول من تعليمها المبكر، فقد حازت المنصب الأول على دفعتها، وهي أول ألمانية شرقية تتولى منصب المستشارية في ألمانيا، والأولى التي تحكم دولة أوروبية كبرى منذ عهد رئيسة الوزراء البريطانية السابقة «الحديدية» مارغريت ثاتشر، وأول ألمانية تحصد لقب «الأقوى تأثيراً» حسب مجلة «فوربس»، وأول زعيمة أوروبية يعاد انتخابها منذ الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت بالاتحاد الأوروبي، واختارتها مجلة «التايم» شخصية العام مع صورة على غلافها، واصفة إياها كمستشارة للعالم الحر.
كما أن قوة التوربينات «الميركلية» جعلها تسبح ضد التيارات القوية وتحقق نجاحات في ظروف تحدٍ صعبة، فدخلت ميركل المنتمية للأقلية البروتستانتية معترك زعامة بلادها مع زعماء سياسيين منتمين إلى الأغلبية الكاثوليكية، فذكرتنا بوهجها السياسي وجاذبية شخصيتها بوهج وجاذبية الزعيم التاريخي الأميركي الكاثوليكي جون كيندي الذي كان هو الآخر يصارع رموزاً سياسية تنتمي إلى الأغلبية البروتستانتية، كما أن أصلها من بولندا ومحسوبة على ألمانيا الشرقية «الأقل شأناً»، ومع ذلك أوجدت بقوتها وكفاءتها وشخصيتها موطئ قدم في ألمانيا الغربية المتطورة.
لميركل إنجازاتها، وكان من أبرز قراراتها في حياتها السياسية فتح الحدود تماماً لأكثر من مليون لاجئ قادم عبر طريق البلقان وتركيا إلى ألمانيا، وأداء بلادها الاقتصادي، ومحافظتها على تماسك البيت الأوروبي، ولميركل أيضاً أخطاؤها السياسية، فقد دعمت الغزو الأميركي للعراق، واصفة إياه بأنه «لا مفر منه»، متهمة المستشار غيرهارد شرودر بالعداء للولايات المتحدة، وعارضت موقف الحكومة الداعم لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، كما كرمت ميركل، الرسام الدنماركي كيرت فيسترغارد، الذي أثارت رسومه المسيئة إلى الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - غضباً واسعاً في العالم الإسلامي.
ترجلت أنجيلا ميركل «ماكينة المرسيدس» من عرش تربعت عليه 16 عاماً، وعرش عالمي ذائع الصيت، فأتعبت من سيأتي بعدها، ولا نظن في المستقبل المنظور أن يوجد من يستطيع أن يلامس سقف الإنجازات التي حققتها هذه المستشارة الألمانية الحديدية.