بقلم: حمد الماجد
واضح من اختيار الإرهاب ذي البصمة المشرقية الداعشية كنيساً يهودياً كبيراً في العاصمة النمساوية فيينا، أن هجوم «داعش» على الكنيس وقبله كنائس في عدد من الدول الغربية، وآخرها الهجوم الإرهابي على كنيسة نيس الفرنسية، أن الإرهاب الداعشي أو القاعدي أو من تسللت إليه لوثتهما لا يكترث بنوعية الضحايا. أقصد لم تكن الغاية الثأر المباشر من الحكومات الغربية لأنها أسهمت في التضييق على «داعش» في الغرب والشرق، وإلا لاستهدف الإرهاب أي مؤسسة عسكرية أو أمنية أو حتى منشأة حكومية، وقُلْ الشيء نفسه عن كل الحوادث الإرهابية التي جرت في مناطق مختلفة في أوروبا وأميركا، بل حتى في الدول العربية والإسلامية، كانت الشريحة المستهدفة من الحركات الإرهابية في الغالب من الشريحة المسالمة، ولم تَسلم من ضحاياها مِلة ولا نِحلة، فاستهدفت مساجد وكنائس ومعابد يهودية وحسينيات.
في تقديري أن الغاية النهائية للهجمات الإرهابية التي تبناها «داعش» ومَن دار في فلكه من الحركات الإرهابية في مدينة فيينا مؤخراً، بل سائر الدول الغربية والشرقية إسلامية ومسيحية، هي إبقاء شعلة الصراع بين الشرق والغرب ملتهبة، فبيئة الصراعات هي الحاضنة لسر وجودها وهي إكسير حياتها وضمانة استمرارها، وهي البيئة الخصبة لتجنيد الأتباع وتكثير المتعاطفين، وسبق أن أشرت في مناسبة سابقة وقلت إن ثمة مصالح مشتركة و«مذكرة تفاهم» غير مكتوبة بين هذه الحركات الإسلامية الإرهابية المتطرفة واليمين المتطرف في الدول الغربية، فكلاهما يقتات على الآخر، وصعود أحدهما يعني صعوداً حتمياً للآخر، ولهذا تلاحظون أن الأحزاب اليمينية العنصرية المتطرفة في الدول الغربية هي أول من يستغل الحوادث الإرهابية التي يرتكبها «داعش» في الدول الغربية في تعزيز أجندتها، والعكس صحيح، فكلما علت نبرة زعامات اليمين المتطرف ونجحت في استصدار قوانين تضيِّق على الأقليات المسلمة أو تسخر من دياناتها أو تطالب بعودتهم إلى دولهم الإسلامية، تَعزز موقف الحركات المتطرفة والإرهابية المنتمية إلى المسلمين، واستشهدوا بها في معرض ما يسمونه الصراع الأزلي بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى.
وأكبر دليل على خبث ومكر مقصد من يقف وراء هذه الحوادث الإرهابية في فيينا وغيرها، وأن الغاية ليست نصرة إسلام ولا مسلمين، أن هذه الجماعات الإرهابية تدرك جيداً الأثر السيئ الذي تتركه هذه الهجمات الإرهابية على أوضاع الأقليات المسلمة في الدول الغربية، فارتفاع وتيرة الحوادث الإرهابية يعني المزيد من التضييق على المسلمين وسَنّ المزيد من القوانين التي تتشدد في مراقبتهم ومراقبة مؤسساتهم، كما حدث مؤخراً في فرنسا وفي دول غربية أخرى.
أيضاً تدرك الحركات الإرهابية جيداً أن كل حادث إرهابي يقع تصاحبه دوماً حوادث مؤسفة تستهدف المسلمين المسالمين في الدول الغربية، ومع ذلك تمعن في تعزيز هجماتها الإرهابية كمّاً ونوعاً، وهذا ما حَمَلَ البعضَ على ترجيح «نظرية المؤامرة» حول الجهات «الخفية» التي تقف وراء هذه الجماعات الإرهابية المشبوهة، أو في أقل الأحوال تغضّ الطرف عنها وعن تحركاتها المريبة وهجماتها الإرهابية العدمية.