بقلم : حمد الماجد
أمسى جلياً أن حركة «طالبان»، بسيطرتها شبه الكاملة على أفغانستان والعاصمة، واقع فرض نفسه؛ كما يقول البيت الأبيض الذي صار ينسق مع الحركة، ووجد صداه في الدول الغربية الحليفة، كما سيتعامل معها العرب على هذا الأساس.
وفي تقديري أن أبرز ما أفرزته سيطرة حركة «طالبان» على أفغانستان هو أن القضاء عليها أصبح شبه مستحيل، فبعد عشرين عاماً من حرب شرسة للحلفاء بقيادة الولايات المتحدة، نهضت «طالبان» تنفض عن ثيابها غبار معاركها على مدار عشرين عاماً لتدخل القصر الرئاسي الأفغاني الذي بشر الرئيس جورج بوش الابن، قبل عشرين عاماً، باقتلاعها منه للأبد.
«طالبان» واجهت في أفغانستان حرباً شرسة لها مساران؛ مسار عسكري استخدم فيه التحالف الغربي أخطر ما تفتقت عنه التقنية العسكرية الغربية للقضاء على الحركة وتدميرها واجتثاثها من جذورها عقاباً لها على إيوائها «القاعدة» ورمزها الأخطر أسامة بن لادن، ومسار فكري منفتح أدواته التعليم والإعلام لمقارعة فكر «طالبان» ورؤيتها، وأنفقت أميركا تريليونات الدولارات لإنجاح المسارين اللذين أخفقا هذه الأيام وفشلا فشلاً ذريعاً.
وهذا ينسحب على أي آيديولوجيا دينية أو لا دينية؛ فهذا الاتحاد السوفياتي رفع شعار «الدين أفيون الشعوب»، فحارب الأديان بيد تحمل المنجل لاجتثاث الخصوم جسدياً، ويد أخرى تحمل فكر الشيوعية لمحاربة الدين والإمبريالية الغربية، فلا الاتحاد السوفياتي بقوته العسكرية الجبارة وترسانته النووية المرعبة هزم الدين، ولا قوض الإمبريالية؛ بل على العكس، تهاوت فكرة الشيوعية وتخلخل الاتحاد السوفياتي، وأمست الأديان في الجمهوريات السوفياتية تنظر إلى الشيوعية بشماتة وهي تنهار في عقر دارها. وتقول الحقائق على الأرض إن الأديان في روسيا، خصوصاً الإسلامي والمسيحي، بقيت كأنها لم تتعرض لحملة اجتثاث ممنهجة.
نعود إلى «طالبان» بالـ«نيو لوك»، إذا جاز التعبير، بعد أن سمح لها التحالف الغربي بحكم أفغانستان، طائعاً أو مكرهاً لا فرق، ويبقى السؤال الكبير: كيف ستتعامل معها الدول العربية خاصة؟ عدد من المراقبين الدوليين أشاروا إلى أن «طالبان» عام 2021 تختلف؛ ولو قليلاً، عن «طالبان» التي حاربها التحالف الغربي قبل 20 عاماً، وهذا الذي، في تقديري، يَحسن أن تلتفت إليه الدول العربية وتبني عليه، فتكثف العلاقة بها وتحتويها وتساهم في تنميتها وتعليمها ونهضتها والدفع بها أكثر نحو الاعتدال؛ لأن فعل العكس بمناوئتها ومساندة خصومها سيدفع بها للارتماء في حضن الحركات الإرهابية، فتعود أفغانستان تارة أخرى ملاذاً للمطاردين من الإرهابيين الذين يزدهرون دائماً في الدول المضطربة، وتضعفهم التنمية في البلدان المزدهرة المستقرة.