بقلم: حمد الماجد
منذ اندلاع الثورة الخمينية نهاية السبعينات، ونظام الحكم في إيران المؤدلج حتى النخاع، يعرض بين الفينة والأخرى رغباته المتكررة في التصالح والسلم مع جيرانه والقوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، ولقد شبع العالم عامة؛ ودول الشرق الأوسط خاصة، من الوعود الإيرانية المعسولة التي تقول للإعلام، وفي اللقاءات الدبلوماسية شيئاً وتفعل في الميدان النقيض؛ تمدّ يداً ناعمة للسلام، واليد الأخرى خلف الظهر تحمل خنجراً حاداً مسموماً، تدعو للتقارب المذهبي وهي تعزز الطائفية في دستورها، تتحدث ليل نهار عن الوحدة الإسلامية، وهي تنخر نسيج الدول الإسلامية المذهبي بالتبشير بآيديولوجيتها المتطرفة.
كيف يتصور النظام الإيراني أن يصدق الناس صدقية جنوحه للسلم، و«تصدير الثورة» يتربع على أهم فقرات الدستور الإيراني الذي أعده الخميني وقدمه، وقام بجميع أدواره ونفذه باقتدارٍ وهمة، تلامذته ومريدوه؟ لقد غلفت الثورة الخمينية مبدأ تصدير الثورة والتدخل في شؤون الدول الأخرى واختراقها وخلخلة تركيبتها المذهبية وتجنيد طابور خامس لها، بمبرر براق خادع هو «حماية المستضعفين» ضد «قوى الاستكبار العالمي» (الولايات المتحدة وإسرائيل وسياساتهما في المنطقة).
لقد منح الخميني لنفسه بوصفه ولياً فقهياً، ولكل من يخلفه في هذا المنصب السياسي والديني الاستراتيجي، «مكانة لا يبلغها لا مَلَك مقرب ولا نبي مرسل»، كما نص على ذلك «المعصوم» الخميني في كتابه الشهير «الحكومة الإسلامية»، ولهذا تصوَّر الخميني، ومن تبوأ من بعده منصب مرشد الثورة أن يخضع لحاكميته مسلمو العالم، بحسبان أن ثورته في إيران عابرة للدول والأقاليم والقارات.
والذي يبعث على السخرية من الثورة الإيرانية وشعارها الخداع «نصرة المستضعفين في العالم»، أن الثورة الخمينية قد فشلت فشلاً ذريعاً في نصرة مستضعفيها في الداخل الإيراني، فعاش شعبها البائس المطحون المظلوم في ذل الفقر والبطالة تحت كنف ثورة ماكرة تهيمن على ثرواتٍ نفطية وغازية هائلة، فكيف يصدق من لديه أدنى درجات الوعي أنها صادقة في نصرة مستضعفي دول أخرى؟
ولأن فاقد الشيء لا يعطيه؛ فقد أثبتت الوقائع على الأرض أن مبدأ «نصرة المستضعفين» كان مجرد ذريعة لتدخلها العسكري والعقائدي السافر في شؤون كثير من الدول المجاورة لها، التي باتت مقتنعة بأن النظام الإيراني نظام توسّعي ومعتدٍ ويشكل خطراً وتهديداً لأمنها، وهذا ما جرى في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ناهيك عن محاولاتها المستميتة لخلخلة السلم المجتمعي والمذهبي في دول الخليج وبقية دول العالم العربي والإسلامي، عبر التحريض المذهبي وإشعال نار العصبيات والفتن الطائفية بين مكوّنات الشعب الواحد، فأمسى النظام الثوري الإيراني الذي يزعم محاربة الاستكبار العالمي مستكبراً على الشعوب التي غرز فيها مخالبه، والنموذج الفاقع لاستكبار نظام الخمينية؛ أنها وقفت مع نظام بشار الطائفي القمعي الدموي، وقتلت وشردت عشرات الملايين من الشعب السوري، لتبقي سيطرتها على نظام بشار البائس المتهالك، وليذهب الشعب السوري إلى الجحيم.
لن يصدق أحد جنوح نظام إيران للسلم والتعايش مع دول الخليج والعالم العربي والإسلامي حتى ينكفئ على نفسه، ويتخلى قولاً وفعلاً عن تصدير ثورته و«نصرة» ضعفاء الآخرين، وهو الذي يدوس بأقدام الظلم والقمع والبطش على رقاب «المستضعفين» في الداخل الإيراني.