بقلم : حمد الماجد
الذي حدث على المسرح الأفغاني مؤخراً كله ألغاز وأحجيات، ولهذا كان النزاع محتدماً بين المحللين السياسيين «المحترفين» والهواة في «السوشيال ميديا» الذين أدلوا بدلوهم في هذا المعترك السياسي المعقد، فقد حيرتهم السيطرة الطالبانية الصاروخية على النسبة العظمى من الأقاليم الأفغانية ثم تتويج هذه السيطرة بـ«التكويش» الناعم و«الدلوع» على العاصمة الأفغانية كابل بدون إطلاق رصاصة واحدة، مع أن زعيم حركة طالبان أمر «طلابه» ألا يدخلوها من باب واحد؛ إذ دخلوها من أبواب متفرقة، لم يقاومهم في أحد هذه الأبواب فرقة واحدة من فرق الجيش الأفغاني المدرب البالغ عدده ثلاثمائة ألف، كما يقول الرئيس الأميركي بايدن، ولا اعترضهم فصيل ميليشياوي مسلح ولم يواجهوا حتى المقاومة الفردية.
وحير المحللين السياسيين اختتام المشهد بفصل درامي، فبعد سيطرة مقاتلي طالبان على القصر الرئاسي تجمع المقاتلون حول مكتب الرئيس الأفغاني الذي غادر أفغانستان يتلون سورة «النصر»، وزاد حيرة هؤلاء المحللين درامية هذا المشهد في اختلاط صدى تلاوة سورة الفتح بأزيز المروحيات الأميركية التي تعمل على إجلاء الرعايا الأميركيين ومن ترعاهم السفارة الأميركية ابتداءً من الرئيس الأفغاني السابق إلى آلاف الأفغان «المتعاونين».
وأربك المحللين أن الحكومة الأميركية يبدو كما لو أنها سلمت أفغانستان إلى حركة طالبان التي رعت وآوت وآزرت ونصرت وخبأت زعيم «القاعدة» الأخطر على الإطلاق أسامة بن لادن، وذلك بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وتسبب الطالبانيون بعد عشرين عاماً من سيطرة أميركا على أفغانستان في خسارتها 1000 مليار دولار و2800 قتيل و20 ألف جريح، ناهيك عن انكسار الهيبة واهتزاز الحلف مع أوروبا، وفي الوقت نفسه تشير أميركا إلى بعض حلفائها «الاستراتيجيين» بشبهة دعم هجمات 11 سبتمبر أو التسبب فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، وأميركا تعلم أو ربما لا تريد أن تعلم أن هؤلاء الحلفاء هم ذاتهم كانوا الهدف المفضل لهجمات إرهابية قاعدية خطيرة.
ودوخ المحللين السياسيين أن الولايات المتحدة تفطر وتتغدى وتتعشى مع «السناكات» على حرب الإرهاب ومقاومته عسكرياً وفكرياً وإعلامياً وتعليمياً وتجفيف عروقه واستئصال جذوره، بل باتت تقرأ كما يتردد كل سطر في مناهج التعليم في بعض الدول العربية بحثاً عن نص يوحي ولو من طرف خفي بتشدد أو تحريض على مقاومة محتل، وفي الوقت ذاته انسحبت أميركا من المسرح الأفغاني، لتتولى طالبان السيطرة على هذا المسرح، بل والأخطر من هذا وذاك أن حركة طالبان قد تكون ملهمة لخلايا «داعش» و«القاعدة» الإرهابية لنسخ ولصق التجربة الطالبانية، أو في أقل الأحوال للتسلل مرة أخرى إلى أفغانستان الطالبانية لتعيد انتشارها وتدريب وتأهيل كوادرها، لتكون نقطة تجمع لكل من شردتهم الحرب على الإرهاب في دول الشرق الأوسط وأفريقيا وأواسط آسيا لتصدرهم إليها تارة أخرى، فلا لوم ولا تثريب على حيرة الناس واختلافهم الشديد في حل اللغز الأفغاني، والأيام القادمة ستفك أحجيته وتبدد غموضه (ويا خبر النهارده بفلوس، بكرة ببلاش)!