بقلم - حمد الماجد
كل مؤتمرات مكافحة الإسلاموفوبيا وندواتها وأبحاثها ومؤلفاتها ودعاياتها وميزانياتها في كفة، وهدف يسجله اللاعب المصري الليفربولي الخلوق محمد صلاح في كفة، وكل جهود متعصبي اليمين المتطرف المغذّي للإسلاموفوبيا، الذي أجلبوا على «الغير» بخيلهم ورجالهم ودعاياتهم وحقدهم وعنصريتهم وتعصبهم وكرههم للآخر في كفة، وهجمة كروية منسقة من صنع الساحر الكروي محمد صلاح في كفة. محمد صلاح لا يسجل أهدافه في الفريق الذي ينازل ليفربول فحسب، بل هدفه من النوع الانشطاري، فتصيب جزيئاته شبابيك فرق أخرى ليست بالضرورة رياضية.
الإرهابيون «المسلمون الملتحون» بـ«داعشيتهم» و«قاعدتهم» وكل مسمياتهم وجرائمهم ووحشيتهم وتشددهم وتطرفهم وتشويهاتهم لصورة المسلم في الغرب واستعدائهم لشرائح غربية مسالمة في كفة، و«المسلم الملتحي» المحترف محمد صلاح بتدينه المعتدل وسجداته الشكرية في ساحة الملعب ورقيّ تعامله وتواضعه الجمّ وابتسامته البريئة المشرقة في كفة. إن أهداف محمد صلاح الناعمة هزمت أيضاً فرق الإرهابيين الشرسة وجحافلهم الدموية المتوحشة وماكينتهم الدعائية المسمومة...
منطقيٌّ أن تردد جماهير نادي ليفربول أهازيج فيها اسم اللاعب الفلتة محمد صلاح، ومحصلة طبيعية عطفاً على مهارة هذا اللاعب الفنان. لكن أن يصل إعجاب جماهير ليفربول بمحمد صلاح إلى حد ترديد أهزوجة تقول «لو أحرز أهدافاً أكثر، فسوف أنتمي للإسلام»، فهذا هو اللافت. لا أقصد أنهم سيعتنقون الإسلام لو أحرز مزيداً من الأهداف، وإنما سرعة التحول الكبيرة التي صنعها هذا اللاعب الخلوق في أذهان هذه الجماهير العريضة. كل تفجيرات لندن ومانشستر الإرهابية وغيرهما من المدن البريطانية التي نفّذها إرهابيون باسم الله وشوّهت الإسلام في أذهان الجماهير البريطانية كشطها محمد صلاح من فكر هذه الجماهير بهدف بدأه باسم الله وختمه بشكر الله، وهذا ما حمل المدير التنفيذي لمنتدى مكافحة العنصرية في أوروبا على أن يصرّح لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية بالقول: «هذه أول مرة أرى تعليقاً إيجابياً وصريحاً يتضمن الدين».
شيء ما في اللاعب الليفربولي المصري محمد صلاح يذكّرك بمحمد علي أيقونة الملاكمة العالمية الشهير، مع التسليم بالفوارق بين النجمين الرياضيين، فكلا المحمدين رياضي لامع، وكلاهما مسلم محافظ، وكلاهما ما زادته الشهرة إلا تواضعاً، وكلاهما مزج مهاراته الرياضية الفائقة بعمل منهجي تربوي «ترويجي» متقن، وكلاهما أسهم بقوته «الناعمة» في تغيير مفاهيم مغلوطة، أحدهما عند البريطانيين والآخر عند الأميركيين، وكلاهما أسس جماهيرية عريضة، فقد حققا من خلال قوتهما الناعمة ما لم تحققه مراكز الأبحاث والدعايات الإعلامية مجتمعة، وكلاهما لامس مشكلة مجتمعية متجذرة؛ محمد علي عالج في زمنه العنصرية ضد السود، ومحمد صلاح تخصص في تسجيل هدف متقن ضد الإسلاموفوبيا، وكلاهما وضع جرعة الدواء في أدائه الرياضي المبهر لعلاج مرض اجتماعي عضال.
باختصار، أهداف اللاعب الليفربولي الموهوب محمد صلاح لم تدخل في شباك الأندية البريطانية والغربية المنافسة لناديه فحسب، بل ولجت شباك اليمين الغربي المتطرف ومزقت شباك المتشددين المسلمين وخلخلت شباك الإسلاموفوبيا، والأمل في محمد صلاح لمزيد من الأهداف في مرمى هذه القوى الشريرة.
نقلا عن الشرق الاوسط الندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع