بقلم - حمد الماجد
مهما اشتد تغول وتوغل اليمين المتطرف في الدول الغربية، ستجد في الغرب ومضات مشرقة وشجاعة تستوعب الآخر وتقود جيوباً تقاوم العنصرية الدينية أو العرقية مهما علا صراخها واشتد ضجيجها، آخر هذه الضربات الناجحة لقبول الآخر هو تعيين حمزة يوسف ذي الأصول الباكستانية ليقود مقاطعة اسكوتلندا ذات التاريخ التراثي العريق الباذخ، وليكون «الوزير الأول»، وذلك بعد وقت قصير من سطوع نجم هندوسي هندي في العاصمة اللندنية (سوناك) رئيساً لحكومة كانت الشمس لا تغيب عن إمبراطوريتها الاستعمارية. يقول حمزة يوسف، وهو يتحدث عن توليه هذا المنصب الأرفع في اسكوتلندا: «يذكرنا ذلك بأن علينا الاحتفاء بالمهاجرين الذين يقدمون مساهمات كبيرة في بلادنا».
وحين تخبو عاصفة العنصرية العرقية وتهب النسائم التسامحية في العالم الغربي ترى عجباً، حينها تبرز الأهلية والكفاءة لتحسم الفائز بالمناصب العليا، وهذا ما جعل حمزة يوسف الوزير الأول الاسكوتلندي يتقدم الصفوف، فهو سياسي بالفطرة، وحصد عدداً من «الأوليات»، فهو أول وزير مسلم في حكومة اسكوتلندية، وأصغر سياسي اسكوتلندي تولى قيادة رئاسة وزراء اسكوتلندا، وأول وزير يحمل حقيبة وزارية في عمر 26 عاماً، في نسخة مصغرة لما جرى للرئيس باراك أوباما في الولايات المتحدة الأميركية.
والطريف في هذا الشأن أن يطلق الباكستاني الشاب في اسكوتلندا وعده بالدفع باستقلال اسكوتلندا عن اتحاد المملكة البريطانية لتكون جمهورية اسكوتلندا. وبطبيعة الحال، وكما هو معروف، فالمطالبة بالاستقلال الاسكوتلندي موجودة على أجندة الشعب الاسكوتلندي قبل حمزة يوسف، وستستمر بعده، لكن اللافت في الأمر حين يتداول موضوع الاستقلال الاسكوتلندي زعيمان شابان من ذوي البشرة القمحية متحدران من دول شبه القارة الهندية، ففي مكالمة هنأ فيها رئيس الوزراء البريطاني سوناك زميله حمزة يوسف رئيس الوزراء الاسكوتلندي، أكد الأخير «خدمته جلالة الملك تشارلز بأمانة»، وبدبلوماسية رفيعة ذكره «بالرغبات الديمقراطية لشعب اسكوتلندا وبرلمانها». هذا المشهد الدرامي بكل تفاصيله يحسب للمملكة المتحدة التي لا تزال على الرغم من نفوذ اليمين المتشدد بشقيه العرقي والديني هي الفضلى مقارنة بعدد من الدول الغربية التي أصابت عدوى العنصرية الدينية والعرقية عدداً من زعاماتها.
هذا التسامح الغربي مع الآخر العرقي، ينسحب على الآخر الديني، فهناك عدد من المقرات التاريخية الكنسية البريطانية سمحت بتحويلها إلى مقرات للأديان الأخرى، مؤسسات إسلامية يتحول فيها عدد من البريطانيين إلى الإسلام، بل إني زرت مقراً فيكتورياً إنجيلكانياً عريقاً في إنجلترا كانت مهمته الرئيسة في التاسع عشر، كما يقول تقرير متلفز للـ«بي بي سي»، هو تدريب البعثات التنصيرية، ليشتري هذا المقر الكنسي العتيق مسلمون، بل إن إحدى الكنائس الإنجيلكانية تواصلت معي شخصياً في التسعينات حين كنتُ مديراً للمركز الثقافي الإسلامي في لندن تعرض علينا شراء كنيسة مجاورة، وقد علل رئيس الكنسية حرصه على أن يشتري المسلمون أو اليهود كنيستهم بقوله؛ حتى يطمئنوا أن مقر كنيستهم يؤول إلى ديانة تعبد الله.
هذا الشق الغربي المتسامح تتعرض مساحته للقضم من الشق الغربي العنصري المتشدد، وهو نوع من المدافعة موجودة في أغلب دول العالم.