بقلم: حمد الماجد
كل التيارات اليمينية المتشددة في الدول الغربية ما زالت تحقق انتصارات ويتوسع نفوذها وتتغلغل وتتغول، صحيح أن هذا التيار العنصري المتطرف يخسر معارك كخسارة اليمينية المتشددة مارين لوبن أمام ماكرون، لكنه بالتأكيد لم يخسر الحرب، بل إن حال اليمين المتشدد في أوروبا كحال النازية في ألمانيا التي خسرت معارك مع خصومها، لكنها في النهاية انتصرت في الحرب لكنها كانت كالريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم، وهذا ما يخشاه العالم من اليمين المتشدد.
ماكرون فاز بنسبة مريحة، ولكن لا ننسى أن طروحات ماكرون في حملته الانتخابية بل ومواقفه من الأقليات العرقية والدينية أثناء فترة رئاسته الأولى لفرنسا، خصوصاً تجاه الأقلية المسلمة، كانت بنكهة اليمين المتشدد كقوله عن الرسوم المسيئة وما إلى ذلك، ولهذا وقع أغلبية الخمسة ملايين مسلم فرنسي في حيرة بين التصويت لمارين لوبن أو لماكرون، وصفها عدد من الفرنسيين المسلمين بأنها حيرة بين سيئ وأسوأ.
ومعالم انتصار اليمين المتشدد في حربه في أوروبا وأميركا واضحة لا تخطئها العين، فطروحاتهم لها رواج وقبول شعبي، وتغلغلوا حتى في أكثر الدول الأوروبية تسامحاً، فهذه سويسرا واحة الحريات الدينية والسياسية وملاذ الأموال، التي رفضت أن تكبل يديها بقيود الاتحاد الأوروبي هي ذاتها التي ضاقت ذرعاً بمنظر منارة المسجد المرتفعة، فحظرت تشييدها، والسويد التي كانت ودودة مع اللاجئين المسلمين وفتحت مدارسها ومشافيها وخدماتها وخزانتها لهم، هي ذاتها التي تستفزهم هذه الأيام بحماية أمنية مشددة ليميني متعصب وهو يحرق نسخة من القرآن الكريم.
والمؤسف أن فيروس اليمينية المتشددة مثل فيروس كورونا، فكلا الفيروسين سريع الانتشار شديد الخطورة، يصعب القضاء عليهما، ولا تكفي في مقاومتهما جرعات الوقاية مهما تكثفت وتعززت، فالهند التي تسمى أكبر الديمقراطيات تئن وترزح تحت حكم اليمين الهندوسي المتشدد، وقل الشيء ذاته في حق عدد من دول جنوب شرقي آسيا وأميركا الجنوبية.
هذا الزلزال اليميني المتشدد الذي أصابت تصدعاته الغرب والشرق، هو الذي جعل عدداً من العقلاء يطالبون الأقليات المسلمة، خصوصاً في الدول الغربية، بضرورة مراجعة طروحاتهم ونشاطاتهم وتكتيكاتهم، فما يمكن قوله وعمله في السبعينات والثمانينات لا يمكن قوله وعمله بعد الألفية الثانية، وما قبل الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) يختلف تماماً عما بعده، وهذا الموقف عقلاني ومنطقي وليس ضعفاً، فالذي تواجهه عاصفة هوجاء ينحني لها حتى تهدأ وتسكن، وإلا جرفته في مكان سحيق.