بقلم: حمد الماجد
حتى نفهم البغدادي وتنظيمه الإرهابي بعمق ونحاول أن نفكك شفرات الغموض، دعونا نطرح هذا التساؤل: مَن المستفيد؟ وما الذي جلبته شخصية أبي بكر الغامضة وتنظيم «داعش» الإرهابي لمنطقة الشرق الأوسط منذ صعوده حتى مقتله؟ هو عدد من المنجزات أو بتعبير أدق عدد من المخرجات، أهمها تمكين التغلغل الإيراني في كلٍّ من العراق وسوريا، فتحْت ذريعة مناهضة تنظيم «داعش» الإرهابي تمددت الميليشيات العراقية الموالية لإيران في المدن العراقية السنية وفي المدن السورية ذات الأغلبية السنية الساحقة تفتك بها قتلاً وتدميراً وتهجيراً، وعاثت في ديموغرافيتها المذهبية، والويل والثبور وعظائم الأمور لمن يقاوم بسنانه أو يهاجم ببنانه هذا التهجير القسري للسُنة في العراق وسوريا أو يعترض على العبث بديموغرافية السكان الطائفية في الدولتين، فسيشهرون في وجهه كارت «الدعشنة» الأصفر، أو كارت الطائفية الأحمر، على قاعدة «رمتني بدائها وانسلّت».
لم يشرح لنا عدد من الدول الغربية التي تقول إنها تحارب الإرهاب بلا هوادة، وقد قالت ففعلت مع «القاعدة» و«داعش»، ما الفرق بين أبي بكر البغدادي الإرهابي الذي قتلت قواته وسحلت وأسرت وسبت آلاف الأبرياء، وحسن نصر الله الإرهابي قائد ميليشيات «حزب الله» التي عاثت قواته في سوريا وفتكت وهَجَّرت عشرات الألوف من الضحايا أضعاف ما اقترفه تنظيم «داعش» الإرهابي؟
كما لم توضح لنا الدوائر العالمية المهتمة بمكافحة الإرهاب أين التخطيطات الاستخباراتية والتكتيكات العسكرية والأقمار الصناعية والطائرات التجسسية التي تطير بطيار ومن دون طيار وحاملات الطائرات التي تمخر عباب بحار المنطقة بكل حرية، أين كل هذه من أرتال «داعش» (بيك أب) وهي تتحرك عام 2014 جهاراً نهاراً ببيارقها العباسية السوداء من عاصمتها المؤقتة الرقة إلى عاصمتها الرسمية الموصل، 470 كلم مسافة، و7 ساعات زمناً، لا يخافون إلا الله والذئاب على صغارهم؟ أرض ملساء جرداء منبسطة تكشف تحركاتها استخبارات دولة من العالم الثالث لو تتبعتها، فكيف بمن يملك في ترسانة أسلحته العسكرية الفتاكة التي بإمكان أحد جنودها المدججين بالتقنية أن يكشفها في ثوانٍ ويضغط زر تدميرها وسحقها بيمناه، وبيسراه يرشف بها قهوة؟
وأخيراً، لا شك أن مقتل أبي بكر البغدادي بالنسبة إلى الرئيس ترمب صيد انتخابي ثمين، وانتصار في معركة على الإرهاب، لكنه ليس انتصاراً في الحرب على الإرهاب، وهي لكمة شديدة موجعة في وجه الإرهاب لكنها ليست ضربة قاضية على التشدد والتطرف والعنف باسم الدين، فكلنا نذكر حين احتلت القوات الأميركية أفغانستان بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، دمّرت أميركا قواعد «القاعدة» و«طالبان» وفتكت بعدد من قادتها وميليشياتها، وظن الظانّون أن الإرهاب انهزم إلى الأبد، حينها حمل ميكروب الإرهاب القاعدي فتى في العراق على بعد آلاف الكيلومترات لقبه الحركي (أبو بكر البغدادي) فعاث في الشام والعراق فساداً سنوات مقحطات مجدبات، يُهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد، ولا تزال ميكروبات الإرهاب تصول وتجول في جميع أنحاء العالم، خصوصاً عبر (السوشيال ميديا)، والمستعدون لالتقاطها كثر، مؤذنة أن الحرب على الإرهاب والتشدد باقية ما دامت مصادر تغذيتها دفاقة.