بقلم: حمد الماجد
لو كنت عضواً في جائزة نوبل للسلام لجعلت المبرر الأول لاستحقاق الزعيم الإثيوبي آبي أحمد علي جائزة نوبل للسلام ليست جهوده في «تحقيق السلام والتعاون الدولي» فحسب، مع اتفاقي على أهميتها الكبرى، بل إنجازه اللافت، وفي مدة قياسية تقل عن السنتين، في تحقيق مصالحة «نسبية» وطنية كبرى لشعب تنخره الصراعات السياسية والعرقية والحزبية والمذهبية والدينية والقبلية، وتنهك اقتصاده الوطني نزاعات عدمية مع الجار الإريتري، وقدرته المذهلة في محاربة الفساد ولجم نفوذ العسكر في اقتصاد البلاد، لأن النظم الاستبدادية العسكرية في دول العالم النامي تقايض الأمن والاستقرار بالقبضة الأمنية الحديدية، فانصرفت للقمع ووجهت إليه معظم جهودها وخططها، وأغفلت السلم المجتمعي والنهضة التنموية، وهذا ما أثبت بطلانه رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد علي، كما استطاع هذا الزعيم الأفريقي الصاعد في سلم السياسة العالمي كالصاروخ، أن يثبت أن النزاهة المالية والنظافة السياسية والتحليق فوق جاذبية التيارات والصراعات الدينية والحزبية والعرقية والقبلية والمذهبية والوطنية الحقة لا التشدق بها وامتحان المواطنين بها، هي الخلطة السحرية للإنجاز السريع الذي لا يعترف بالمرحلية الزمنية الطويلة المملة.
الهاجس الأمني والاستقرار لم يمنع هذا الزعيم النوبلي النبيل من أن يفك الاحتقانات التي تدافع عنها الأنظمة العسكرية الاستبدادية في العالم بعناد وصلف؛ فألغى فور توليه السلطة حالة الطوارئ، وأفرج عن المعتقلين السياسيين، وأقر بشجاعة القائد السياسي المخلص لوطنه بوقائع التعذيب وأدانها، وأفرج عن الصحافيين المعتقلين، وشن حرباً على الإقصاء والتخوين، فعقد حواراً مع قوى المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني لبحث سبل الإصلاح السياسي، ودعا المعارضين المقيمين في الخارج إلى العودة للبلاد، وأحدث إصلاحات في قطاعات الأمن والمخابرات والقضاء، وأسقط وصف «إرهابية» عن حركات معارضة مسلحة ورحب بعودة قياداتها من المنفى، واعترف بالانتهاكات التي وقعت في الماضي، كما أجرى مصالحات بين القوميات والشعوب في الأقاليم المختلفة في إثيوبيا ووضع نظام محاسبة للمخالفين، هذا ناهيك بإصلاحاته ومصالحاته الخارجية، فهو الذي نجح فيما أخفق فيه زعماء إثيوبيون سابقون فاشلون، فأنهى صراعاً عدمياً دامياً مع إريتريا مستنزفاً للبشر والاقتصاد دام أكثر من عشرين عاماً، كانت زعامات إثيوبية من قبله تستغله للهياط الإعلامي ورفع الشعارات الوطنية بإذكاء جذوة الصراع مع الجيران، فراح ضحية هذا الصراع العدمي نحو 80 ألف شخص، غير نصف مليون من النازحين والمهجرين على الجانبين، ثم أراد أن يثبت أن السياسي الوطني النزيه كالغيث أينما حلَّ نفع، فطار إلى السودان وأسهم بقوة في الإمساك بالسودان من أن ينزلق نحو الفوضى، فصالح بين قوى المعارضة والعسكر الذين يقودون الحكومة المؤقتة.
تصوروا، كل هذه الإنجازات والمبادرات في مدة تقل عن السنتين، وليس هذا فحسب، فهو من طبَّق عملياً قاعدة «دع الأفعال تتحدث»، ولم يسمح للدعايات الإعلامية أن تسبق إنجازاته، فنال في سنتين، جائزة نوبل للسلام، ما عجز عنه آخرون في عشرات السنين، فأثبت أن الإنجازات المشرّفة تستخفّ بالتسويف وتسخر بالتعلل بالصعوبات وتهزأ بدعوى الحاجة إلى سنين طويلة لحلها.