توقيت القاهرة المحلي 13:51:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حقوق الإنسان

  مصر اليوم -

حقوق الإنسان

بقلم : مصطفى الفقي

أثارت الزيارة التاريخية الفريدة من نوعها التى قام بها الرئيس السيسى لفرنسا والحوار الذى دار حول حقوق الإنسان مبررًا لطرق هذا الموضوع، وبداية فإن الحديث عن حقوق الإنسان هو تطور طبيعى لتقدم البشرية ونضوج الإحساس المشترك بقيمة الإنسان وسمو قدره وثمرة من ثمار المسيرة الطويلة للإنسان على كوكب الأرض، ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد فلقد أصبحت قضايا حقوق الإنسان مثل الحق الذى يراد به باطل وتعرضت تلك القيم النبيلة والأفكار السامية لعملية سطو ممنهجة عبر السنين، حيث اختفت ملامح التعريف الأصلى لحقوق الإنسان وتوارت فى زحام الاعتبارات السياسية والتأويلات المصلحية وجرى استخدامها لخدمة سياسات معينة وأهداف ملتوية، ونحن إذ نحتفل بالعيد الثانى والسبعين لصدور العهد الدولى لحقوق الإنسان وإعلانه فى مثل هذه الأيام من عام 1948 فإننا نتساءل: أين كنا؟ وكيف أصبحنا؟ هل سياسة ازدواج المعايير والكيل بمكيالين هى النموذج الجديد لحقوق الإنسان الذى يجب أن يقبله الجميع لصالح الأقوياء؟ هل حقوق الإنسان الفلسطينى هى ذاتها حقوق الإنسان الأمريكى؟ وهل حقوق الإنسان الإسرائيلى هى نفسها حقوق الإنسان الإفريقى؟ إن تعدد المعايير وتضارب التعريفات وأهواء أصحاب المصالح قد خلقت بالفعل أزمة حقيقية لحقوق الإنسان ناهيك عن عوامل ثلاثة للاختلاف بين الأطر والآليات المتبعة فى تحديد المعنى الدقيق للقضية العالمية لحقوق الإنسان وفقًا لاعتبارات ثلاثة: أولها حضارى ثقافى، والثانى اقتصادى اجتماعى

.. والثالث دينى أخلاقى، وسوف نناقش العوامل الثلاثة فى السطور القادمة معترفين بأن هناك حدًا أدنى متفقًا عليه فى القواعد العامة لحقوق الإنسان بشكل لا ينسف القضية برمتها ولا يصيب حقوق الإنسان فى جوهرها النبيل:

أولًا: إن الاختلافات الثقافية والتباين بين الحضارات أمور مسلم بتأثيرها فى إحداث قدر من التغيير بين حقوق الإنسان فى دولة وأخرى، والانتماء لمجموعة حضارية معينة تحت مظلة ثقافة محددة وفقًا لحزمة من القيم والتقاليد ذات الخصوصية تجعل الأمر مختلفًا من مجموعة بشرية لأخرى، فالمجتمعات تختلف وفقًا للنسق الحضارى والثقافى الذى تعيش فيه، إن الأميرة (ديانا) البريطانية ماتت قديسة أمام أعين الملايين رغم أنها اعترفت علنًا وعلى شاشات التليفزيون بالخيانة الزوجية الكاملة لولى عهد بريطانيا ولكن ذلك ليس جرمًا بمعايير الحضارة الغربية رغم أنه خطيئة كبرى بمعايير القيم الشرقية، كذلك فإن قضايا الثأر ومفهوم العار ومظاهر الانحراف تختلف فى مجموعها بين الانتماءات المتعددة للحضارات الإنسانية والتجمعات الجغرافية فى قارات العالم المختلفة.

ثانيًا: إن التفاوت الطبقى والاختلاف فى مستويات المعيشة واختفاء الحد الأدنى المقبول لدخل الفرد الذى يكفل هو الآخر الحد الأدنى من الحياة الكريمة هى عوامل شديدة التأثير فى مفهوم حقوق الإنسان، فأنا أظن أن الدولة التى تكرس جهدها لرفع مستوى حياة الفقراء فيها هى دولة ترعى الحقوق الأصلية بدلًا من التشدق ببضع حالات فردية من التجاوزات المرحلية تحت مظلة حقوق الإنسان، وبالمناسبة فنحن لا نقر تلك التجاوزات ولكننا نعترف بوجودها فى كل المجتمعات، فكفالة الحد الأدنى فى مستويات المعيشة هى واحدة من أهم حقوق الإنسان المعاصر، فالحريات الحقيقية لا يتمتع بها إلا من امتلأت بطونهم، فالجائع ليس حرًا، والفقير لا يتمتع بالكرامة الإنسانية التى يجب أن يحوزها وفقًا لطبيعة التطور وروح العصر، كذلك فإننا نعترف بأن القيم الاجتماعية تختلف باختلاف مستويات المعيشة ومعدلات الدخول الفردية للبشر وليس صحيحًا أن الحرية هى فقط تذكرة انتخاب ومؤسسة نيابية ونواب يهرولون ولكنها بالدرجة الأولى كفالة لأسباب المعيشة وضمان لإطعام كل فم فضلًا عن الحق فى الملبس والمسكن ووسائل الانتقال العامة والبيئة النظيفة، وهى كلها مطالب صعبة التحقيق فى معظم الدول الفقيرة.

ثالثًا: إن العامل الدينى والأخلاقى لهما تأثير شديد وانعكاس قوى على تحديد مفهوم حقوق الإنسان على خريطة مجتمع معين، فما تحرمه الديانات السماوية قد تقبله الثقافات الأرضية، وما ترضى به الديانات الأرضية قد يكون مجرمًا فى القيم الحديثة لمجتمعات أخرى، دعنا نأخذ (المثلية) نموذجًا فلقد أصبحت أمرًا عاديًا فى المجتمعات الغربية فالقوانين فى بلادهم تسمح بذلك، بينما المثلية فى المجتمعات الشرقية عمومًا والإسلامية خصوصًا تحظى بتجريم كامل ورفض أخلاقى لأن تلك المجتمعات لم تعرف ذلك النمط الشاذ من العلاقات البشرية فى عالم الرجال والنساء أيضًا ولذلك فإن ما يعتبرونه حقًا مكفولًا فى منطقة معينة هو جريمة كبرى بالمفهومين الدينى والأخلاقى فى مجتمعات أخرى.

ألم أقل لكم إن قضايا حقوق الإنسان- برغم نبل المقصد وسمو الغاية- قد أصبحت أحيانًا حقًا يراد به باطل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حقوق الإنسان حقوق الإنسان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:43 2022 الثلاثاء ,14 حزيران / يونيو

ياسمين صبري تزداد أناقة بإطلالات فخمة وراقية

GMT 21:09 2021 الجمعة ,23 إبريل / نيسان

"وحيد القرن" أصغر ثقب أسود قريب من الأرض

GMT 19:35 2021 الثلاثاء ,23 آذار/ مارس

بورصة بيروت تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 05:47 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

تعرف على رسالة ياسر فرج الأخيرة لزوجته قبل وفاتها

GMT 15:13 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أتلتيكو مدريد يصنع التاريخ بالأرقام في الدوري الإسباني

GMT 21:10 2020 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

بايرن ميونخ أفضل فريق في 2020 ضمن جوائز "غلوب سوكر"

GMT 13:03 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

طبيب يكشف عن والد طفل عروس بنها في حال حملها

GMT 03:22 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ريم سامي تتألق في مهرجان الجونة السينمائي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon