توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حقوق الإنسان

  مصر اليوم -

حقوق الإنسان

بقلم : مصطفى الفقي

أثارت الزيارة التاريخية الفريدة من نوعها التى قام بها الرئيس السيسى لفرنسا والحوار الذى دار حول حقوق الإنسان مبررًا لطرق هذا الموضوع، وبداية فإن الحديث عن حقوق الإنسان هو تطور طبيعى لتقدم البشرية ونضوج الإحساس المشترك بقيمة الإنسان وسمو قدره وثمرة من ثمار المسيرة الطويلة للإنسان على كوكب الأرض، ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد فلقد أصبحت قضايا حقوق الإنسان مثل الحق الذى يراد به باطل وتعرضت تلك القيم النبيلة والأفكار السامية لعملية سطو ممنهجة عبر السنين، حيث اختفت ملامح التعريف الأصلى لحقوق الإنسان وتوارت فى زحام الاعتبارات السياسية والتأويلات المصلحية وجرى استخدامها لخدمة سياسات معينة وأهداف ملتوية، ونحن إذ نحتفل بالعيد الثانى والسبعين لصدور العهد الدولى لحقوق الإنسان وإعلانه فى مثل هذه الأيام من عام 1948 فإننا نتساءل: أين كنا؟ وكيف أصبحنا؟ هل سياسة ازدواج المعايير والكيل بمكيالين هى النموذج الجديد لحقوق الإنسان الذى يجب أن يقبله الجميع لصالح الأقوياء؟ هل حقوق الإنسان الفلسطينى هى ذاتها حقوق الإنسان الأمريكى؟ وهل حقوق الإنسان الإسرائيلى هى نفسها حقوق الإنسان الإفريقى؟ إن تعدد المعايير وتضارب التعريفات وأهواء أصحاب المصالح قد خلقت بالفعل أزمة حقيقية لحقوق الإنسان ناهيك عن عوامل ثلاثة للاختلاف بين الأطر والآليات المتبعة فى تحديد المعنى الدقيق للقضية العالمية لحقوق الإنسان وفقًا لاعتبارات ثلاثة: أولها حضارى ثقافى، والثانى اقتصادى اجتماعى

.. والثالث دينى أخلاقى، وسوف نناقش العوامل الثلاثة فى السطور القادمة معترفين بأن هناك حدًا أدنى متفقًا عليه فى القواعد العامة لحقوق الإنسان بشكل لا ينسف القضية برمتها ولا يصيب حقوق الإنسان فى جوهرها النبيل:

أولًا: إن الاختلافات الثقافية والتباين بين الحضارات أمور مسلم بتأثيرها فى إحداث قدر من التغيير بين حقوق الإنسان فى دولة وأخرى، والانتماء لمجموعة حضارية معينة تحت مظلة ثقافة محددة وفقًا لحزمة من القيم والتقاليد ذات الخصوصية تجعل الأمر مختلفًا من مجموعة بشرية لأخرى، فالمجتمعات تختلف وفقًا للنسق الحضارى والثقافى الذى تعيش فيه، إن الأميرة (ديانا) البريطانية ماتت قديسة أمام أعين الملايين رغم أنها اعترفت علنًا وعلى شاشات التليفزيون بالخيانة الزوجية الكاملة لولى عهد بريطانيا ولكن ذلك ليس جرمًا بمعايير الحضارة الغربية رغم أنه خطيئة كبرى بمعايير القيم الشرقية، كذلك فإن قضايا الثأر ومفهوم العار ومظاهر الانحراف تختلف فى مجموعها بين الانتماءات المتعددة للحضارات الإنسانية والتجمعات الجغرافية فى قارات العالم المختلفة.

ثانيًا: إن التفاوت الطبقى والاختلاف فى مستويات المعيشة واختفاء الحد الأدنى المقبول لدخل الفرد الذى يكفل هو الآخر الحد الأدنى من الحياة الكريمة هى عوامل شديدة التأثير فى مفهوم حقوق الإنسان، فأنا أظن أن الدولة التى تكرس جهدها لرفع مستوى حياة الفقراء فيها هى دولة ترعى الحقوق الأصلية بدلًا من التشدق ببضع حالات فردية من التجاوزات المرحلية تحت مظلة حقوق الإنسان، وبالمناسبة فنحن لا نقر تلك التجاوزات ولكننا نعترف بوجودها فى كل المجتمعات، فكفالة الحد الأدنى فى مستويات المعيشة هى واحدة من أهم حقوق الإنسان المعاصر، فالحريات الحقيقية لا يتمتع بها إلا من امتلأت بطونهم، فالجائع ليس حرًا، والفقير لا يتمتع بالكرامة الإنسانية التى يجب أن يحوزها وفقًا لطبيعة التطور وروح العصر، كذلك فإننا نعترف بأن القيم الاجتماعية تختلف باختلاف مستويات المعيشة ومعدلات الدخول الفردية للبشر وليس صحيحًا أن الحرية هى فقط تذكرة انتخاب ومؤسسة نيابية ونواب يهرولون ولكنها بالدرجة الأولى كفالة لأسباب المعيشة وضمان لإطعام كل فم فضلًا عن الحق فى الملبس والمسكن ووسائل الانتقال العامة والبيئة النظيفة، وهى كلها مطالب صعبة التحقيق فى معظم الدول الفقيرة.

ثالثًا: إن العامل الدينى والأخلاقى لهما تأثير شديد وانعكاس قوى على تحديد مفهوم حقوق الإنسان على خريطة مجتمع معين، فما تحرمه الديانات السماوية قد تقبله الثقافات الأرضية، وما ترضى به الديانات الأرضية قد يكون مجرمًا فى القيم الحديثة لمجتمعات أخرى، دعنا نأخذ (المثلية) نموذجًا فلقد أصبحت أمرًا عاديًا فى المجتمعات الغربية فالقوانين فى بلادهم تسمح بذلك، بينما المثلية فى المجتمعات الشرقية عمومًا والإسلامية خصوصًا تحظى بتجريم كامل ورفض أخلاقى لأن تلك المجتمعات لم تعرف ذلك النمط الشاذ من العلاقات البشرية فى عالم الرجال والنساء أيضًا ولذلك فإن ما يعتبرونه حقًا مكفولًا فى منطقة معينة هو جريمة كبرى بالمفهومين الدينى والأخلاقى فى مجتمعات أخرى.

ألم أقل لكم إن قضايا حقوق الإنسان- برغم نبل المقصد وسمو الغاية- قد أصبحت أحيانًا حقًا يراد به باطل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حقوق الإنسان حقوق الإنسان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon