توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ذكريات متجددة

  مصر اليوم -

ذكريات متجددة

بقلم : مصطفى الفقي

فى كل مرحلة عمرية تطفو على السطح ذكريات اختزنتها الذاكرة الذاتية لسنوات طويلة، بل إن المرء كلما تقدمت به السن ارتدت إليه الذكريات البعيدة من الطفولة والصبا، فأنا مازلت أتذكر مشهد القرية التى ولدت فيها حين ظهر وباء الكوليرا وكنت لا أتجاوز الثالثة من العمر، وأدهش أن صورة الناس وهلعهم وقتها والأحاديث المتكررة فى منزلنا وخارجه عن ذلك الوباء مازالت تطرق مخيلتى كما أتذكر أيضًا هتافات الجماهير الوفدية أمام منزلنا تحيى ابن المغازى باشا المرشح لمجلس النواب عام 1950، ورغم أننى لم أكن قد بلغت السابعة من العمر إلا أن تلك الشعارات لا تبرح ذاكرتى أيضًا وأتمثل المشهد القائم كأنه أمامى الآن، وما أكثر ما تجتر الذاكرة من مشاهد وما تدفع به الأيام ليطفو على السطح بعد أن كان قد انزوى فى زحام الأحداث وتطور سنوات العمر، ويهمنى هنا أن أؤكد أن التكنولوجيا الحديثة سوف تنتقص من قدرة الذاكرة وتصبح بديلًا للخيال الواسع والرؤية البعيدة وتحيل الإنسان بعد عدة عقود إلى ما يشبه الروبوت أو الإنسان الآلى فى ظل مسميات جديدة مثل الذكاء الاصطناعى وعالم الخيال العلمى بخطواته الواسعة وتطوراته المتلاحقة، ثم تنتقل المشاهد فى ذهنى من سنوات الطفولة إلى يوم أن حصلت على الدكتوراة فى 26 أغسطس عام 1977 من جامعة لندن وقال لى البروفيسور فاتيكيوتس يومها الذى كان مشرفًا على رسالتى فور عودته من جلسة المداولة مع البروفيسور روجر أوين، رئيس قسم الشرق الأوسط فى جامعة هارفارد، وكان وقتها منتدبًا فى جامعة أكسفورد، قال لى أستاذى المشرف باللغة العربية لأول مرة مبروك.. تستطيع أن تتصل بزوجتك وتبلغها أنك أصبحت تحمل لقب دكتور! وتقفز مخيلتى عبر السنين إلى الوراء لأتدارك ذلك اليوم الذى كنت أستمع فيه إلى الراديو عام 1954 والرئيس عبدالناصر يلقى خطابًا فى ميدان المنشية بالإسكندرية فإذا صوت الرصاص يدوى فى محاولة الاغتيال الشهيرة التى استخدمها عبدالناصر فى تصفية جماعة الإخوان المسلمين حينذاك لضلوعها فى مؤامرة الاغتيال، وأتذكر ذلك اليوم الأسود فى ظلام القاهرة والرئيس عبدالناصر يلقى خطاب التنحى بعد هزيمة يونيو عام 1967 وكيف كانت مشاعرنا متداخلة وأفكارنا ملتبسة ونحن نمضى فى الشوارع وسط الحشود الضخمة فى ظل أصوات المدفعية المضادة للطائرات وأجواء الهزيمة التى خيمت على سماء القاهرة وجثمت فوق صدور البشر، ويومها تعاطف الملايين مع الزعيم إيمانًا به وإحساسًا بالخوف من المستقبل ورغبة فى أن يواصل سائق القطار قيادته لأقرب محطة أمان، وأتذكر أيضًا ظهيرة السادس من أكتوبر عام 1981 وأنا فى إجازة من عملى فى السفارة المصرية بالهند فإذا التليفزيون يقطع إرساله وسط أخبار عن محاولة انقلاب عسكرى واعتداء مسلح على الرئيس الراحل أنور السادات وهو على منصة العرض العسكرى، وكنت فى تلك اللحظة أقف فى مطابع الأهرام أتابع كتابًا أصدرناه مشتركين- المستشار طارق البشرى والمستشار وليم سليمان قلادة وأنا- وكتب لنا مقدمته الدكتور بطرس بطرس غالى، وظللنا نرقب الأخبار وبعد ساعتين على الأكثر نعت مصر رئيسها شهيدًا فى يوم الاحتفال بانتصاره، كما مازلت أتذكر أيضًا ما حدث ذات يوم وأنا عضو فى مجلس الشعب حيث كان الرئيس الراحل مبارك يلقى خطابه فإذا به يضطرب بشكل واضح وتسبق الكلمات بعضها ثم ينهار قيد السقوط الكامل من على المنصة ويهرع الحرس لمساندته وأخذه خارج القاعة ويهبط بعض ضباط الحرس من الأدوار العليا إلى مكان الجلسة مطالبين بالهدوء وأن يجلس كل فى مكانه مع غلق أبواب القاعة الكبرى وكان شيخ الأزهر وبابا الكنيسة القبطية يتناوبان الدعاء للرئيس إزاء الصدمة التى حلت بالجميع، رأيت القائد العام للقوات المسلحة ومعه الدكتور حمدى السيد أستاذ القلب الشهير يخرجان من الجلسة إلى حيث يجلس الرئيس لإسعافه بينما اتجه وزير الداخلية ومحافظ القاهرة كل إلى مكتبه لمتابعة الأحداث التى تجرى، ولكن الرئيس أفاق بعد ساعة أو أقل حيث اكتشف الأطباء أنه كان يعانى من أنفلونزا حادة ولكنه جاء إلى المجلس قبل أن تستقر حالته الصحية فى ظل المضادات الحيوية التى تضعف المناعة وتوهن الجسد وتؤدى إلى هبوط حاد، ولكن الذى يطفو على قمة ذاكرتى هو أننى كنت فى إجازة من عملى فى لندن أتمشى فى شارع الشواربى فى وسط العاصمة المصرية فإذا صوت الراديو يفاجئ الجميع بأخبار العبور العظيم وبدأت المعارك الشرسة التى انتهت بالنصر الذى لا أنسى ذكرياته ولا شعورى عند عودتى إلى لندن فأجد أن صورتنا قد اختلفت وأن مكانتنا قد ارتفعت.. إنه مخزون ذكريات بلا ترتيب ولكنها لا تبرح الخيال ولا تذهب عن البال.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكريات متجددة ذكريات متجددة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon