توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غروب الديمقراطية

  مصر اليوم -

غروب الديمقراطية

بقلم : مصطفى الفقي

سوف يظل المشهد المخزى الذى جرى فى واشنطن عندما هاجمت مجموعات من أنصار الرئيس دونالد ترامب مقر الكونجرس وعبثوا ببعض ما فيه فى تصرف غوغائى أرعن، عندما جرى ذلك أيقنت أن شمس الديمقراطية الأمريكية قد بدأت فى الغروب، لأن الديمقراطية ليست مجموعة طقوس أو حتى ممارسات ولكنها مناخ سياسى وبيئة فكرية تحتم احترام القانون وسيادة رأى الأغلبية والقبول بالنتائج التى تأتى بها الانتخابات العامة مهما كانت المفاجآت ومهما بلغت درجة الإحساس بالمرارة لدى المهزوم، فتلك ظاهرة طبيعية تبدأ من الرياضة ولا تنتهى بالسياسة، لأن كل تنافس فيه رابح وخاسر فى كل الأحوال، وإذا كانت الديمقراطية فى أدق تعريفاتها هى أنها تلك التى تقترن بدولة سيادة القانون واحترام الرأى الآخر والقبول بقرار الأغلبية، وهو ما غاب مؤخرًا عن الساحة الأمريكية فى تأكيد لحالة التدهور التى تعانى منها الديمقراطية فى بلاد كنا نتصور أنها أبعد ما تكون عن ما حدث، ولكن الذى جرى فى الشهور الأخيرة قد جعلنا نخشى على مفهوم الديمقراطية الحقيقية من تلك الممارسات الشاذة والتصرفات غير المسؤولة حتى إننا نظن أن العنصرية البغيضة تكاد تطل برأسها على المجتمع الأمريكى بعد أن غابت عقودًا نتيجة الجهود المضنية للآباء العظام وفى مقدمتهم إبراهام لنكولن، لقد كنا نظن أن الممارسات اللاديمقراطية وأن العبث بالقانون هما صفتان تندرجان تحت ظاهرة التخلف الذى تعانى منه مجتمعات الجنوب، وحتى الربيع العربى التمسنا له عذرًا بحداثة التجربة ونقص الوعى وفقر الإمكانات، ولكننا فوجئنا بالخريف الأمريكى يأتى عاصفًا مدويًا لكى يضعنا أمام حقائق جديدة لم تكن فى الحسبان وفى مقدمتها:

أولًا: إن قيام المؤسسات الدستورية والنيابية لا يكفى للحديث عن ديمقراطية سليمة أو مجتمعات سوية، فالتدهور فى منظومة الديمقراطية الغربية بدأ منذ سنوات عندما كذبت الإدارة الأمريكية فى واشنطن حول التسليح النووى للعراق ودعمها فى ذلك رئيس وزراء بريطانيا حينذاك الذى كان تابعًا للرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش بصورة كاملة، ثم كانت الأحداث العنصرية المؤلمة التى جرت فى السنة الأخيرة من حكم الرئيس ترامب، وقد أثبتت جميعها أن ما كنا نتغنى به ويتشدق به الغربيون لم يعد قائمًا على النحو الذى تصورناه وعشنا به، إذ إننى أظن أن ما جرى من اقتحام للكونجرس الأمريكى والفوضى التى صاحبت ذلك إنما هى بمثابة مأتم للديمقراطية بعد عرس مزدهر تصورناه منذ نجحت حركة الحقوق المدنية فى خمسينيات القرن الماضى أن تطرح صيغة جديدة للتعايش المشترك بين القوى المختلفة فى المجتمع الأمريكى، فإذا الذى جرى يقلب الصورة تمامًا ويحطم دستورًا تاريخيًا ملخصه عبارة (لدى حلم) ليضع بديلًا لها صورة الجندى الأمريكى الذى وضع حذاءه على رقبة مواطن أمريكى إفريقى أمام شاشات التليفزيون والضحية تودع الحياة فى مشهد فظيع يدين حضارة العصر ويلفظ ثقافة الديمقراطية التى قتلها أصحابها وهجرها شعبها.

ثانيًا: إن اهتزاز الصورة الأمريكية مرتين فى فترة واحدة، أولاهما أمام وباء الكورونا، والثانية فيما اعترى عملية النقل السلس للسلطة من إدارة أمريكية راحلة إلى إدارة أمريكية قادمة، فكان الإخفاق فى الأمرين معًا هو دليل على محنة المجتمعات الغربية المتقدمة التى كنا نرى فيها نموذجًا للمستقبل فإذا بأصحابها يحطمون الصورة الوردية ويشوهون مسيرة الحريات فى وقت يتشدقون فيه بحقوق الإنسان ويوجهون انتقادًا عنيفًا لدول تفرض عليها ظروفها بعض الخروقات المؤقتة فى حالات فردية ترتبط بجرائم الإرهاب والخروج المستمر على النص الوطنى، فإذا الحال من بعضه – كما يقولون – والنموذج قد تحطم والصورة الوردية لم تعد تبث إشعاعها من واشنطن كما توهمنا عبر السنين.

ثالثًا: إن ما جرى فى واشنطن ليس مجرد انتكاسة للديمقراطية الغربية ولكنه هزيمة لها فى كل مكان وعودة إلى الوراء لعشرات السنين، ومهما كانت المبررات فإننا قد رأينا تصرفات غوغائية وفوضى عارمة توحى بأن الذى حدث إنما هو يوم حزين فى تاريخ الديمقراطية الحديثة وبقعة سوداء على الثوب الأبيض لجورج واشنطن ودستور فلاديلفيا منذ إعلان الاستقلال، ويجب أن أنبه هنا إلى أن مثل هذه الأمراض السياسية هى أمراض معدية بطبيعتها وقابلة للتكرار فى كثير من الأحوال.

دعنا نأمل فى عودة الاستقرار لأغنى وأقوى أمة على الأرض، لأن اهتزاز صورتها على النحو الذى شهدناه سوف يجلب علينا أحداثًا مثيلة وصورًا بديلة تجعلنا نتباكى على شمس الديمقراطية التى كانت واعدة ثم وصلت إلى غروبها الحزين!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غروب الديمقراطية غروب الديمقراطية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon