توقيت القاهرة المحلي 11:19:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مخاوف مشروعة

  مصر اليوم -

مخاوف مشروعة

بقلم : مصطفى الفقي

كلما تقدمت البشرية إلى الأمام وقطعت أشواطًا فى مجالات البحث العلمى والتطور الصحى، ظهرت مخاوف جديدة بعكس ما كان متوقعًا، وهو أن تكون الاكتشافات الحديثة مصدرًا للطمأنينة ومبعثًا للأمان.. ولكن الواقع يقول بغير ذلك، فكلما زاد حجم المعلوم لا يتراجع حجم المجهول كما كنا نظن، بل يزيد هو الآخر بشكل مطرد، لأننا كلما توغلنا فى العلم من أجل تعميق حجم المعلوم فإننا نجد فى طريقنا تساؤلات جديدة تجعل المجهول أكثر تأثيرًا وأكبر حجمًا، لذلك فإننى أتصور أن الحياة البشرية التى أصبحت أكثر يسرًا فى بعض جوانبها باتت تحمل معها مخاطر جديدة، فالذى يركب الحمار لا يعتريه خوف يذكر من حادث عارض، أما راكب الطائرة فلديه مخاوف من أن تحدث مفاجأة فى الجو ويكون الأمر صعبًا بل خطير، فكلما ازدادت الحياة تعقيدًا تزايدت وسائل الراحة وأسباب التقدم ولكنها فى الوقت ذاته تقترن بمتاعب من نوع جديد!.. فالمصعد الإلكترونى إذا توقف بين الأدوار قد يكون الخروج صعبًا، بينما الأمر بالنسبة للمصعد الخشبى التقليدى ذى البوابة الحديدية المفرغة يكون أكثر أمانًا وأقل خطرًا.. ولقد كشفت أحداث عام 2020 وما بعده عن غزو جديد لكائنات صغيرة للغاية تسمى فيروسات هاجمت البشرية من بوابات الصين لكى تكتسح العالم فى كل اتجاه ودون استثناء، وذلك معناه أننا مقدمون على مرحلة مختلفة فى المستقبل البشرى، فقد كانوا يقولون لنا فى مبادئ علم الاقتصاد إنه علم الندرة، فالحاجات متعددة ولكن الإمكانات نادرة، وبالتالى فإن المشكلة الاقتصادية تكمن فى عدم القدرة على الوفاء باحتياجات الجميع، لذلك فزعت الدراسات فى العقود الأخيرة وهى تتداول حجم الزيادة السكانية فى معظم دول العالم بشكل ينذر بالخطر ويدق ناقوسًا بالتحذير تجاه المستقبل المتزايد فى عدد سكان الكوكب والذى يتجاوز كثيرًا المليارات السبعة من البشر.. وهكذا أطلت علينا من جديد النظريات التقليدية التى كانت ترى أن عدد السكان فى كوكبنا محكوم بالتوازن الطبيعى نتيجة الحروب والنزاعات المسلحة، وأيضًا بسبب الدور الذى تلعبه الأوبئة الفتاكة التى اجتاحت البشرية، بدءًا من الطاعون، وصولًا إلى الكورونا، مرورًا بعشرات الأوبئة والأمراض التى تُقلص أعداد سكان الأرض وتحفظ التوازن المطلوب.

وقد اختلف الأمر كثيرًا فى السنوات الأخيرة، فمنذ الحرب العالمية الثانية لم تتكفل الحروب الإقليمية والنزاعات المحصورة فى مناطق معينة والموزعة على خريطة الكون، ولم تتمكن تلك الحروب والصراعات من أن تحقق التوازن المطلوب فى عدد السكان، لذلك أطلت علينا أوبئة جديدة تجاوزت عالم الميكروب إلى عالم الفيروس الذى يلتصق بأجزاء فى الجسم مخترقًا الجهاز المناعى لكى يدمر ويعبث بحياة الملايين، وبينما الفزع يدق أنحاء العالم إلا أن هناك قلة تحاول أن تجد لما جرى ميزة ما، حتى ولو كانت خفية وغير مصرح بها بل مسكوت عنها، وأعنى بها أن الأوبئة القادمة سوف تصبح ضرورة لحصد مئات الألوف من الزيادات البشرية السنوية، فى محاولة سخيفة لإحداث التوازن البشرى المزعوم، بغية الوصول إلى الحد الأمثل لسكان الكوكب. وفى ظنى أن الأمر أعمق من ذلك وأخطر، إذ يحمل فى طياته نعرات عنصرية وأفكارا متطرفة ورؤى متشائمة تخفى خطاب الكراهية تجاه بعض الأمم والأعراق والأجناس، فهناك من يخططون للأفكار الشريرة لمستقبل الإنسان على الأرض، ويرون أن الثروات الطبيعية لن تفى بالاحتياجات البشرية، لذلك فإن الصراع حتمى، وتحجيم كمية الجنس البشرى تصبح - فى نظرهم - ضرورة تحتكم إلى مفاهيم نظرية محددة، تستهدف أممًا بذاتها وربما قوميات دون غيرها!.

ولا أريد هنا أن أفرط فى التشاؤم ولا أن أصبح أسير نظرية المؤامرة فى تفسير ما جرى وما يجرى، إلا أن الشواهد مازالت تدعو إلى القلق وتثير المخاوف المشروعة فى مثل تلك الحالات التى تمر بها البشرية، كما أن عددًا من التصريحات التى تفلت من أفواه أصحابها على قمة المجتمعات الغربية تثير هى الأخرى الخوف والقلق وتعزز روح التشاؤم، ولعل هذا يفسر إلى حد كبير التردد الواضح والخوف المنتشر من عمليات التطعيم ضد الأوبئة الأخيرة، وعلى رأسها وباء كورونا المستجد الذى يتطور ويتحور فى خبث يكاد يكون بشريًا وليس فقط طبيعيًا.

إن الثقافة والفكر والعلم والأدب واقتناء الرؤية البعيدة والالتزام بالموضوعية والصبر.. كلها أمور لازمة لمواجهة تلك المخاطر المرضية الجديدة والمخاوف المشروعة التى تغزو العقول وتخترق الثقة التى جرى بناؤها بين البشر على امتداد القرون الماضية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مخاوف مشروعة مخاوف مشروعة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
  مصر اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon