توقيت القاهرة المحلي 06:30:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هواجس نظام ما بعد قمة هلسنكى

  مصر اليوم -

هواجس نظام ما بعد قمة هلسنكى

بقلم - د. محمد السعيد إدريس

للوهلة الأولى ربما يرجح البعض أن أهم النتائج التى يمكن أن تكون قد حققتها قمة الرئيسين الأمريكى دونالد ترامب والروسى فلاديمير بوتين التى جرت أمس الاثنين فى العاصمة الفنلندية (هلسنكي) هى نجاحهما معا فى استعادة النظام العالمى ثنائى القطبية الذى ظل يحكم العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وطوال سنوات الحرب الباردة وحتى سقوط الاتحاد السوفيتى ومعه المنظومة الشيوعية ومنظمة حلف وارسو عام 1991.

هل يمكن القبول بسهولة بالتوقع الذى يقول إن قمة هلسنكى ربما تكون خطوة مهمة فى استعادة النظام ثنائى القطبية تقوده واشنطن وموسكو؟ .

نتائج القمة لم تتكشف بعد، فهى انتهت منذ ساعات قليلة، والذين يرجحون هذا الاستنتاج بعودة النظام العالمى ثنائى القطبية فى مقدورهم تقديم الكثير من المبررات التى من أبرزها الحرص الذى أبداه الرئيس ترامب على إعادة دمج روسيا فى مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، ومفاجأة شركائه فى هذه المجموعة بهذا الطلب خلال قمتهم الأخيرة فى كندا، وكان هذا يعنى أن ترامب لا يعطى أهمية لرأى هؤلاء الشركاء فى هذا الأمر. اندفاع ترامب للتنسيق مع روسيا وصل إلى درجة حديث ترامب عن أن «تخلى روسيا عن شبه جزيرة القرم ليس شرطا لتحسين العلاقات معها»، ولم يستبعد ترامب الاعتراف بضم القرم إلى روسيا، ونقل عنه قوله «بما أن سكان القرم يتحدثون الروسية فهم روس».

أما المبرر الثانى الذى لا يقل أهمية فيتمثل فى حرص ترامب على تفكيك الاتحاد الأوروبى وإضعافه وتنحيته كشريك فى مقدوره أن ينافس على الزعامة الدولية، والحرص على إعادة فرض علاقات التبعية السابقة التى سادت علاقات واشنطن بدول الاتحاد الأوروبى فى سنوات الحرب الباردة، عندما كانت الولايات المتحدة تتولى مهمة الدفاع عن أوروبا أمام التهديد السوفيتى المحتمل. ترامب أضحى أكثر استعدادا للتضحية بالحليف الأوروبى التاريخى لبلاده مقابل كسب روسيا كشريك محتمل. ما حدث من مشادات وخلافات حادة بين ترامب وشركائه فى مجموعة الدول الصناعية السبع خلال قمتها الأخيرة فى كندا، وجدت أصداءها خلال قمة حلف شمال الأطلسى الأخيرة التى عُقدت فى بروكسل قبيل أيام من قمة هلسنكى حيث جدد ترامب هجومه الضارى على حلف شمال الأطلسى وعلى أبرز الشركاء خاصة ألمانيا وبريطانيا.

فقد حذر ترامب فى أثناء قمة الناتو بأن بلاده «ستتولى شئونها الدفاعية بمفردها إذا لم تعزز الدول الأعضاء فى الحلف إنفاقها الدفاعي»، وقال إنه «سيطلب من الحلفاء أن يدفعوا فواتيرهم». وشن هجوما عنيفا على ألمانيا واتهمها بأنها «تخضع لسيطرة روسية» بسبب دخول ألمانيا فى صفقة «خط أنابيب الغاز الطبيعى الروسي» (نوردستريم- 2) التى ستزود ألمانيا بالغاز الطبيعى من روسيا، ووصف ترامب هذه الصفقة بأنها «مروعة» لا لشىء إلا لأنها يمكن أن تؤسس لعلاقة تعاون ألماني- روسى خارج عن الإشراف الأمريكي.

تدخل ترامب فى الشأن الألمانى لم ينافسه غير تدخله فى الشأن البريطاني، فقد هاجم خطة رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماى لتنظيم الانسحاب البريطانى من الاتحاد الأوروبى التى تحرص على إبقاء خطوط من التعاون بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. ترامب هاجم رئيسة الحكومة البريطانية فى حديث مع صحيفة «ذى صن» البريطانية لهذا السبب ووصفها بأنها «رهيبة»، كما اعتبر أن خطتها تلك «ستقضي، على الأرجح، على اتفاقية متوقعة للتبادل الحر مع الولايات المتحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى فى مارس 2019»، .

هناك مبرر ثالث لاحتمال عودة نظام الثنائية القطبية يتمثل فى الحرص الأمريكى على توظيف قمة هلسنكى لتحقيق شراكة أمريكية- روسية على حساب الشراكة الصينية- الروسية هدفها إبعاد الصين تماما عن المنافسة على الزعامة الدولية. ترامب يأخذ هنا بنصيحة شيخ الدبلوماسية الأمريكية هنرى كيسنجر، فكما نصح كيسنجر الرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون فى أوائل السبعينيات من القرن الماضى بأن يتقارب مع الصين ليوازن علاقته مع الاتحاد السوفيتى السابق فإنه نصح ترامب بأن يتقارب مع روسيا ليواجه التمدد الصيني.

هذه المبررات الثلاثة لها ما يدحضها على المستويات الثلاث نفسها. فعلى المستوى الأمريكى يوجد انقسام حاد على العلاقة مع روسيا، وهناك تيار قوى خارج الإدارة وموجود بقوة فى الكونجرس وخارجه مازال يعتبر روسيا «عدوا إستراتيجيا»، وكانت هناك دعوات أمريكية تطالب ترامب بإلغاء قمته مع بوتين خاصة عقب توجيه روبرت مولر المحقق الخاص فى قضية التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة اتهامات إلى 12 عنصرا فى الاستخبارات الروسية بقرصنة حواسيب الحزب الديمقراطي.

أما على المستوى الأوروبى فإن أوروبا، على ما يبدو، لن ترضخ للضغوط الأمريكية، وإذا كان وزير الخارجية الألمانى السابق سيجمار حابرييل قد اتهم ترامب بأنه «يريد تغيير النظام فى ألمانيا وهو ما لا يمكن تحمله» فإن وزير الخارجية الألمانى الحالى هايكو ماس قد رفع شعار «أوروبا الموحدة» لمواجهة شعار ترامب «أمريكا أولاً»، ثم عاد ليؤكد قوله «لسنا أسرى لروسيا أو أمريكا، نحن نتخذ قراراتنا الحرة السيادية بشأن ميزانيتنا وإمدادات الطاقة الخاصة بنا». توجه قد يكون فى بدايته إلا أنه يحمل ملامح بلورة وعى أوروبى أكثر استقلالية عن أمريكا وأكثر رغبة فى الوجود القوى على الساحة الدولية.

أما على الجبهة الروسية الصينية فإن موسكو وبكين تدركان أنهما تخضعان إلى تصنيف إستراتيجى أمريكى باعتبارهما «المصدر الأول للتهديد»، كما أكدته «إستراتيجية الأمن القومى الأمريكية» الجديدة.

وتعد الحرب التجارية الحالية التى تشنها أمريكا على روسيا والصين أحد أبرز انعكاسات هذه الإستراتيجية.

وإذا كان إدراك هذا العداء الأمريكى يفرض على روسيا قدرا كبيرا من مقومات «مقاومة الغواية» الأمريكية فإن ما بين روسيا والصين من أسس متينة للتعاون الإستراتيجى جسدتها الاتفاقيات الثنائية التى جرى توقيعها فى قمة بوتين مع الرئيس الصينى «شى جين بينج» فى بكين (8/6/2018) توفر حصانة كاملة أمام أى محاولات أمريكية لتفكيك تحالفهما، الأمر الذى ينفى أى فرصة أمام قمة هلنسكى للعودة إلى نظام الثنائية القطبية على حساب طموح التعددية القطبية حتى وإن كان مازال طموحا، ولكنه طموح مشروع.

نقلا عن الأهرام

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هواجس نظام ما بعد قمة هلسنكى هواجس نظام ما بعد قمة هلسنكى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon