بقلم: سامح فوزي
هناك نوعان من السياسات فى المجتمع: السياسات العليا، والسياسات الصغرى. نتصور فى كثير من الأحيان أن ما يهم المواطن هو الجزء العلوى من السياسات، فى حين أن ما يشغله فى الأساس هو السياسات الصغرى.
السياسات العليا هى الحكم، العلاقات الخارجية، الدستور، والقوانين الأساسية، الحكومة، والبرلمان، وغيرها.
أما السياسات الصغرى هى ما يتصل بالواقع اليومى للناس مثل المواصلات، بطاقة التموين، التعليم، الشارع، المحليات، المكاتب الحكومية الخدمية.
فى أوقات كثيرة نتوقع أن الناس تنشغل بالسياسات العليا على طول الخط، وهو غير صحيح، قد يحدث هذا الانشغال فى مناسبة أو فترة زمنية معينة، ولكن يعود اهتمام المواطن إلى حياته اليومية، وما يتصل بها من مفردات. إذا ارتفع وعى المواطن، ونال حظا واسعا من المشاركة، وأصاب مستوى متقدما من الرفاهية، تدخل السياسات العليا فى اهتماماته. ولكن هذا لا يحدث على نطاق واسع، بما فى ذلك فى أعتى الديمقراطيات.
إذا كان من الضرورى توجيه رسائل إعلامية مستمرة إلى الجمهور حول «السياسات العليا»، ينبغى أن نفكر فى بناء الشرعية، وتماسك المجتمع، وعلاقات الثقة بين المواطنين حول السياسات الصغرى. هناك مداخل أساسية لتحقيق ذلك: أولا: استعادة تجارب مجالس الأمناء بالمدارس، على نحو يدمج أولياء الأمور فى الخدمة المجتمعية المحيطة بالعملية التعليمية، وثانيا: تشجيع الجمعيات الأهلية على مبادرات اجتماعية واسعة، سواء بمفردها أو بالتعاون مع هيئات حكومية، ليس على المستوى القومى، ولكن على مستوى المجتمعات المحلية. وثالثا: تعزيز اللا مركزية فى النظام المحلى ــ المرتقب ــ مما يشجع المواطن على المشاركة فى الشأن المحلى، سواء بالاقتراح أو الرقابة.
هناك تجارب عديدة فى دول العالم، شرقا وغربا، أخذت بنظام تعزيز مشاركة المواطنين فى الشأن العام من خلال ما يطلق عليه «التخطيط التشاركى» أى تعزيز الحضور الدائم للمواطنين فى عملية التنمية، اقتراحا، وتنفيذا، ورقابة، وتقييما، حيث يعد المواطن هو الأقدر على تحديد احتياجاته، وتقديم المعلومات الميدانية، والمشاركة باهتمام فى قضية تتصل بالواقع الذى يعيش فيه. هناك تجارب تغير فيها وجه المجتمع تماما مثل تجربة مدينة «بورتو اليجرى» فى البرازيل خلال العقود الثلاث الأخيرة. وسعدت منذ أيام بالمشاركة فى مناقشة رسالة ماجستير فى قسم الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية حول دور التخطيط التشاركى فى بناء رأس المال الاجتماعى، أعدها الباحث إيهاب فولى محمد، وأشرف عليها الأستاذ الدكتور عطية حسين أفندى، مفادها أن مشاركة المواطنين فى الشأن العام، خاصة فى التنمية المحلية ينتج عنها قيم مهمة مثل التعاون، والتضامن، والثقة المتبادلة.
هذه مجرد نماذج لما يمكن أن نطلق عليه «السياسات الصغرى» التى يتطلع إليها المواطن، ويتعلق بها، وتعد أساس الثقة التى يضعها فى مؤسسات الدولة.